Site icon IMLebanon

حرب مُقبلة على لبنان… هل من مفرّ؟

 

نحجت هدنة الأربعة أيّام في غزّة، كما في جنوب لبنان، وجرى تمديدها ليومين إضافيين، على أن تنتهي في السابعة من صباح يوم غد الخميس، بهدف الإفراج عن دفعة خامسة من الرهائن والأسرى المحتجزين لدى كلّ من حماس و”إسرائيل”. وإذا كان التزم الطرفان بهذه الهدنة المؤقّتة، إلّا أنّه تخلّلها خرق للعدو الاسرائيلي محدود في مناطق متفرّقة في قطاع غزّة، وبعض الخروقات الجوية من خلال خرق طائرات الإستطلاع “الإسرائيلية” للأجواء في الجنوب اللبناني. كما تعرّضت خلال هذه الهدنة دورية تابعة لقوّات “اليونيفيل” لنيران العدو في محيط عيترون، من دون وقوع أي إصابات في الأرواح. ولكن تبقى الصفقة الكبرى بهدف تبادل 190 عسكرياً “إسرائيلياً” لا يزالون في قبضة حماس، مقابل تصفير السجون وإطلاق سراح قادة أبرزهم مروان البرغوثي.

فهل من توافق دولي على تحويل الهدن المتواصلة الى “هدنة دائمة”، ما ينعكس إيجاباً على الجبهة الجنوبية ويوقف فكرة “شنّ حرب مقبلة على لبنان”؟! تقول أوساط ديبلوماسية مطّلعة بأنّ مجلس الأمن الدولي لم ينجح حتى الآن، في إصدار قرار أممي يوقف إطلاق النار بشكل شامل، أو يضع حدّاً للأعمال الحربية في غزّة، ما يعني “هدنة دائمة” أو طويلة الأمد، على غرار القرار 1701 الذي أوقف الاعمال الحربية بين حزب الله و”إسرائيل” في جنوب لبنان منذ العام 2006، وإن تخلّل السنوات الماضية خروقات كثيرة له. غير أنّ مجلس الأمن تمكّن من اتخاذ قرار أممي حمل الرقم 2712 (الصادر في 15 تشرين الثاني الجاري) دعا الى “إقامة هُدن وممرات إنسانية عاجلة ممتدة في جميع أنحاء قطاع غزة، والإفراج الفوري وبدون شروط عن كلّ الرهائن”.

وانطلاقاً من هذا القرار الذي بدأ يُطبّق في غزّة بوساطة قطرية ومصرية، توقّعت الأوساط أن تمتد الهدن لتُصبح “هدنة دائمة”، وإن كان الوقف الشامل لإطلاق النار يحتاج الى حلّ سياسي دائم. غير أنّ القرار 1701 يُمثّل خير دليل على أنّ وقف الحرب في غزّة اليوم، يُمكن أن يحصل من باب القرار المتخذ، توصّلاً الى قرار آخر ينصّ على “وقف الأعمال الحربية”. فاستمرار القتال في غزّة، وإن كانت تؤيّده “إسرائيل” لا سيما رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو، الخائف من محاكمته فور الوقف النهائي لإطلاق النار، لن يوصل الى تحقيق “انتصار” أو “إنجاز كبير”. لهذا فالتوافق الدولي على السماح بالهدن المؤقّتة والمتواصلة، قد يدفع بإحدى الدول مجدّداً الى تقديم مشروع يهدف الى وقف الأعمال القتالية ، وإن لم يتمّ التوصّل بعد الى أي حلّ سياسي.

فالحلّ السياسي قائم، على ما أوضحت الأوساط نفسها، وهو إقامة الدولتين جنباً الى جنب، وهو حلّ دولي وافقت عليه غالبية دول مجلس الأمن، باستثناء “إسرائيل” التي تحلم بـ “دولة إسرائيل الكبرى”، وحركة حماس التي تُريد تحرير فلسطين والإحتفاظ بها كاملة وعاصمتها القدس. من هنا، اعتبرت الاوساط أنّ تأجيل الحلّ يُمكن أن يحصل مع التسوية الشاملة للمنطقة، ومع “الشرق الأوسط الجديد” الذي سيُعاد رسمه فيها. وعندها ستتغيّر بالطبع السلطة الفلسطينية ويتمّ البحث عن شخص يرأسها غير الرئيس محمود عبّاس، يُمكنه الجمع بين المقاومة ومنظمة التحرير الفلسطينية ويعيد ترتيب البيت الفلسطيني. وهذا يعني أنّه سيتمّ البحث عن سلطة بديلةعن السلطة الحالية في حال سيُطبّق حلّ الدولتين الذي يُطالب به الجميع.

وأكّدت الأوساط أنّ دولاً عدّة في المنطقة تسعى جديّاً الى تحويل الهدن الإنسانية الى “هدنة دائمة” في غزّة، والى نزع فتيل شنّ حرب جديدة على لبنان من قبل العدو الإسرائيلي، مثل قطر ومصر، وتؤيّدها في هذا الأمر كل من روسيا وفرنسا، والسعودية وتركيا وحتى أميركا التي امتنعت عن التصويت على القرار2712. فأميركا قد بدّلت موقفها من استمرار الحرب في غزّة، بعد أن رأت أنّ “إسرائيل” لم تُحقّق أي إنجاز، على ما وعدتها، كما أنّ الإنقسامات داخل الإدارة الأميركية قد أثّرت كثيراً على موقفها المنحاز لها، والتي لم تقم سوى بقتل المدنيين من أطفال ونساء في غزّة، وقصفت عدداً كبيراً من المستشفيات والمدارس، كما أنّها ليست مع توسيع حرب غزّة لتشمل لبنان أو أي دولة أخرى في المنطقة.

في المقابل، فرضت مواقف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غويتريس نفسها على الساحة الدولية، فقد جدّد الدعوة الى “هدنة دائمة” ، داعياً إلى “وقف إطلاق نار إنساني طويل الأمد، والوصول دون قيود للمساعدات المنقذة للحياة، وإطلاق سراح جميع الرهائن، وحماية المدنيين، ووضع حد لانتهاكات القانون الإنساني الدولي”. بعد أن سبق وأعلن عن تضامنه مع الشعب الفلسطيني مشيراً الى أنّ “هجوم حماس على إسرائيل في 7 تشرين الثاني لا يُبرّر العقاب الجماعي للشعب الفلسطيني”.

أمّا الوساطة القائمة حالياً فتسعى الى تحقيق “هدنة دائمة” ، والتي قد تؤدّي الى تسوية ما تشمل تصفير السجون “الإسرائيلية”، أي تحرير قادة فلسطينيين من بينهم مروان البرغوثي وسواه، وتحضيره ربما لاستلام السلطة في فلسطين، مقابل الإفراج عن الـ 190 جندياً “إسرائيلياً” لدى حماس والمقاومة الإسلامية. علماً بأنّ “الإسرائيليين” قاموا منذ 7 تشرين الثاني حتى الساعة بأعتقال 3260 فلسطينياً في الضفّة الغربية، من بينهم معتقلون ومعتقلات سابقون، ولا بدّ من أن تشملهم الصفقة الكبرى.

أمّا لبنان فلا بدّ وأن يتأثّر إيجاباً من الوقف الدائم لإطلاق النار في غزّة، على ما عقّبت الأوساط الديبلوماسية، سيما وأنّ حزب الله قد دخل حرب غزّة لإشغال “الإسرائيليين” بعض الشيء. ولا بدّ من أن تتوقّف الإعتداءات على الجنوب اللبناني في حال جرى التوصّل الى “هدنة دائمة”، وتنزع “إسرائيل” من أجندتها فكرة “شنّ حرب مقبلة على لبنان”، وإن كان البعض يجد أنّ المعارك ستعود لتسلك طريقها الى غزّة، كما الى الجبهة الجنوبية، بعد انتهاء الهدن والإفراج عن الأسرى والرهائن المدنيين. غير أنّ الاوساط تعتبر أنّ اتفاق الهدنة يُشكّل فرصة حقيقية لمختلف اطراف الصراع، لإعادة حساباتها وتقييم مواقفها والقيام بالجهود المناسبة من أجل الدفع في اتجاه وقف شامل لإطلاق النار، ومن ثمّ العودة الى المفاوضات وحلّ المسائل العالقة عن طريق التسوية الإقليمية والدولية المرتقبة.