Site icon IMLebanon

إسرائيل أمام مفترق حاسم: لا طريق إلى «الانتصار»

 

 

يدرك أصحاب القرار في تل أبيب أن عليهم، خلال أيام قليلة، اتّخاذ قرار إمّا باستئناف الحرب على قطاع غزة، أو تمديد حالة «اللاحرب» القائمة حالياً، والتي تسعى حركة «حماس»، راكنةً إلى روافع ضغط وأوراق مساومة مُعتدّ بها، إلى أن لا تنتهي من دون إعلان وقف شامل لإطلاق النار. وهكذا، يتعمّق المأزق الإسرائيلي، مع اضطرار الكيان إلى اتّخاذ قرار بين سيّئ وأسوأ: وقف الحرب، والذي يعني عملياً إعلان «حماس» انتصارها؛ أو مواصلتها وتكبّد الطرفين مزيداً من الأثمان، ومن ثمّ إعلان «حماس» انتصارها أيضاً.وفي حين أن هناك في إسرائيل مَن يفضّل استمرار الحرب، ممّن لا يزالون يعيشون في صدمة السابع من أكتوبر، وارتداداتها التي تُمسِك بوعيهم وتطلّعاتهم وقراراتهم، هناك أيضاً مَن ابتعد عن ذلك الخيار، وبات أكثر تعقّلاً إزاء توقعاته؛ بل إن أكثر من نصف الجمهور الإسرائيلي، كما تُظهر أحدث استطلاعات الرأي، لم يَعُد متمسّكاً بالسقوف العالية التي وضعتها الحكومة في بداية الحرب، وفي طليعتها سحق حركة «حماس»، علماً أن صنّاع القرار في تل أبيب يدركون مدى صعوبة تحقيق أهدافهم.

على أن رضوخ إسرائيل لهدَن وصفقات تبادل أسرى بالتجزئة، لم يأتِ نتيجة تفضيلها بين خيار وآخر، أو ما يُحكى عن ضغط شعبي تقوده عائلات الأسرى من الإسرائيليين، بل نتيجة استحالة إنجاز أكثر ممّا أُنجِز ميدانياً في سياق الضغط العسكري على المقاومة الفلسطينية، ودفْعها إلى الإفراج عن الأسرى بلا أثمان، بمعزل عن هدف «سحقها» و«إبادتها». فبعدما استكملت خياراتها العسكرية، متماديةً في قتل المدنيين والتدمير والتهجير، كأوراق ضغط على «حماس»، لم يبقَ لدى إسرائيل إلا الرضوخ لمطالب الحركة، عبر الهدن وصفقات إطلاق سراح أسرى بالتجزئة. والجدير ذكره، هنا، أن عجز الميدان عن دفع المقاومين إلى الاستسلام، أثبت، وما زال إلى الآن، تعنّت إسرائيل ومكابرتها، في حين أن سيطرتها المزعومة على شمال قطاع غزة لا تعدو كونها سيطرة جزئية. وما مشاهد إطلاق «حماس» لأسرى إسرائيليين في شمال القطاع، إلا دليل إضافي على كذب الجيش الإسرائيلي، عبر ترويج روايات ثَبت أنه مبالغ فيها. وإزاء المشهد الراهن، أي ما قبل انتهاء الهدنة الحالية الممدّدة، يمكن الإشارة إلى الآتي:

– أولاً: يتراجع شبه الإجماع الإسرائيلي، قادة وجمهوراً، عن مواقف وأهداف جرى التشديد عليها ابتداءً، وباتت الأغلبية نسبياً مع مطلب وقف الحرب وإطلاق سراح الأسرى من خلال عملية تبادل، إذ يرد من تسريبات الغرف المغلقة أن مطلب وقف إطلاق النار بصورة دائمة، أي إنهاء الحرب، لم يَعُد غائباً عن طاولة القرار، وإنْ كان لا يزال مستبعداً في هذه المرحلة.

على طاولة الدراسة، لدى كل الأطراف، طروحات من شأنها تأجيل القرارات الحاسمة إزاء قرار استئناف الحرب

 

– ثانياً: تبدو إسرائيل في حالة تجاذب بين عوامل وأسباب متناقضة: تريد إنهاء الحرب، كون البدائل أقلّ سوءاً من استئنافها، فيما تدرك أن إنهاءها، الآن، يعني إعلان هزيمتها. وهكذا، بات القرار يتأرجح بين خيار مطلوب، هو نفسه مرفوض، وبين انتظار بدائل لا يبدو أنها ستتبلور وفقاً لما تحقّق لها خلال الحرب.

– ثالثاً: النتيجة طبيعية لمباشرة حرب لم تُحدَّد أهدافها والمخارج السياسية لها، بل جاءت نتيجة صدمة هزيمة وفشل كبيرَين جداً، وعملياً هي حرب لأجل الحرب.

– رابعاً: على طاولة الدراسة، لدى كل الأطراف، طروحات من شأنها تأجيل القرارات الحاسمة إزاء قرار استئناف القتال، كما يجري التهديد به، بما يتماشى مع مصلحة إسرائيلية آنية في وقف الحرب من دون الإعلان عن وقفها: هدن ممتدّة، عبر تجزئة أو تصنيف خماسي أو سداسي للأسرى الإسرائيليين، على أن يجري إطلاق سراح هؤلاء تباعاً على مدى أيام أو حتى أسابيع طويلة، بما يحقّق هدوءاً مؤقتاً طويلاً، ويُجنّب تل أبيب اتّخاذ قرار، هو سيّئ في كل اتّجاهاته، ومهما كان. وبحسب التسريبات، يجري الحديث عن تقسيمات خمسة مريحة: رجال تجاوزوا سن الخدمة في الاحتياط، والمجندات، والرجال في الاحتياط، والجنود في الخدمة الإلزامية والدائمة، وكذلك جثث إسرائيليين محتجزين في قطاع غزة.

وبالنتيجة، وعلى الرغم من كلّ ما تقدّم، لا يمكن الركون إلى ترجيحات تلك الهدن بالمطلق، مع أن للطرفين مصلحة فيها، شأنهم شأن المتدخّلين الرئيسيّين في هذه الحرب، وفي مقدّمهم الولايات المتحدة. ولا شكّ في أن مرحلة المفاوضات، عرضاً ورفضاً وخضوعاً، تفرض على الجانبَين البحث عن روافع ضغط، مع كل خطوة تفاوضية، قد تكون إسرائيلياً عبر مواقف مهدّدة باستئناف الحرب وتمديدها في اتجاه جنوب قطاع غزة، وصولاً ربما إلى استئنافها، وإنْ بقدر ما، لغرض تحسين موقف إسرائيل التفاوضي.