يبدو انّ قوات العدو الصهيوني قرّرت السير في نمط عسكري تأمل وتعوّل من خلاله على القضاء على حركة حماس بكل مقاتليها وبناها التحتية، وتتلخص الخطة بالقيام بعدة توغلات برية يوميّة تعتمد عنصر المباغتة لزرع عامل القلق والذهول في صفوف المقاتلين وتتماشى مع اقتراح وزير الدفاع الأميركي حسبما جاء في صحيفة «نيويورك تايمز» بتاريخ 29 تشرين الأول 2023. ويبدو انّ تلك القناعة الإسرائيليّة ناجمة عن الجزم بأنّ مواجهة المقاومة الفلسطينيّة في حروب شوارع من خلال عمليات مباشرة، سيجعل القوات الإسرائيليّة تُمنى بهزيمة نكراء أمام أنفاق شيّدتها سواعد أفضل النخب الفلسطينيّة المقاومة التي تخوض باتقانٍ وضراوة كل فنون حروب الشوارع والأزقة والزواريب، وتلعب الأنفاق دور رأس الحربة في احتضان القوة لمقاتلي الحركة. الى ذلك تستمر الوحشية الصهيونيّة بصبّ جام حقدها وغضبها وحمم آلاتها الحربيّة على رؤوس الأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ حاصدة حتى ما بعد تاريخ 31 تشرين الأول 2023 أكثر من 8900 شهيد فلسطيني بينهم أكثر من 2300 طفل ورضيع. في 19 تشرين الأول 2023 قال مراسل الـ CNN انّ أي توغلا بريا إسرائيليا داخل قطاع غزة سيتعيّن عليه في نهاية المطاف مع ما يسميه الجيش الإسرائيلي بمترو غزة، وهي عبارة عن شبكة واسعة من الأنفاق تقع تحت مدينة غزة. ويتعيّن على الجيش الإسرائيلي حسب العديد من المراقبين العسكريين على وجه الخصوص، تطهير شبكة الأنفاق تلك، وهذه تشكّل معضلة تكتيكيّة خصوصاً بالنسبة للقوات الإسرائيليّة. ويبدو أنّ العديد منها قد تمّ حفرها يدوياً، وهي صغيرة نسبياً، كما تمّ تعزيزها بالخرسانة، بحيث لا يمكن أن تكون عرضة للإنهيار بسهولة. يبلغ حجم غزة قرابة 40 كيلومتراً طولاً و9 كيلومترات عرضاً. من هنا يقول بعض الخبراء أنه قد يكون هناك أكثر من 500 كيلومتراً من الأنفاق بالأسفل. تستخدم شبكة الأنفاق لإخفاء مراكز القيادة ومخابئ الأسلحة والأسلحة وربما حتى الرهائن كما تقول معظم الصحف الأميركية. وتشير بعض التقديرات إلى أنّ شبكة أنفاق غزة تضمّ ألفاً و300 نفق وانّ عمق بعضها يبلغ 70 متراً تحت سطح الأرض ووفقاً لبعض التقارير فإنّ ارتفاع معظم هذه الأنفاق يصل الى مترين فقط، في حين يبلغ عرض معظمها مترين أيضاً. ويقول بعض الخبراء العسكريين أنّ الأنفاق ستزيد تعقيدات سيناريو الحرب إذا ما أقدمت إسرائيل على اجتياح بري ثابت وكامل للقطاع، لأنّ هذا التركيب للأنفاق سيسمح لمقاتلي الحركة بالتنقل بين مختلف مواقع القتال بأمان وحرية. يقول مايك مارتين وهو خبير في شؤون الحرب في كينغرزكوليج في لندن، باختصار هذه الأنفاق تُحدث توازناً، لأنّها تحيد مزايا إسرائيل التسليحية والتكتيكية والتكنولوجية والتنظيميّة، كما أنها تحيد خطر انعدام القدرة على التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية التي تتطلّب الفحص وفق القانون الدولي. ويضيف لذلك فإنّ الجيش الإسرائيلي يواجه مشاكل في كل ما يتعلّق بالعمليات العسكرية داخل المناطق المدنية والتي يمكن وضعها بأنها قتال ثلاثي الأبعاد.
ويشرح مارتين ما يقصده بعبارة القتال الثلاثي الابعاد فيقول ستكون هناك جهات تطلق النار من فوق أبراج سكنية، وسيكون أيضاً هناك من يطلق النار من تحت الأرض، ويرى أنّ هدم المباني ليس حلاً فالمباني المهدمة تتحوّل متاريس يحتمي بها مقاتلو المقاومة لاقتناص أفراد وضباط الجيش الإسرائيلي.
وبتاريخ 28 تشرين الأول 2023 قالت صحيفة «نيويورك تايمز» أنّ أنفاق المقاومة الفلسطينية هي أحد أهم الأسباب التي تدفع الاحتلال الى تأخير التدخل البري في قطاع غزة. يقول القائد الأسبق للقيادة المركزية الأميركية المسؤولية عن الشرق الأوسط جوزيف فوتيل، لا ينبغي أن تكون لدينا أوهام بشأن الكيفيّة التي ستؤول إليها الأمور إذ سيكون قتالاً دموياً وحشياً. ووصفت يوتشيفيد ليفشيتز وهي امرأة تبلغ من العمر 85 عاماً، أفرجت عنها حماس بعد 17 يوماً من أسرها، كيف مشت لأميال عبر شبكة عنكبوتيّة من الأنفاق. وتوضح خبيرة حرب الأنفاق في جامعة ريشمان الإسرائيليّة دافني ريشتموند أنها تشكّ في أنّ أي شخصا يعرف عدد الأميال من الأنفاق التي تمتلكها حماس. وتؤكّد ريشتموند باراك أنّ أكثر ما يثير القلق هو الأنفاق البحريّة إذ تمثل اتجاهاً مستقبلياً خطيراً، وأضافت باراك بتاريخ 28 تشرين الأول 2023 لوكالة «اسوشيتد بريس»، بأنّ القتال تحت الأرض من شأنه أن يجرّد الإسرائيليين الى حد كبير من المزايا التكنولوجيا التي يتمتع بها جيشهم بينما يعطي ميزة لحماس فوق الأرض وتحتها. وخلال حرب 2014 اغتال مسلحو حماس ما لا يقل عن 11 جندياً إسرائيلياً بعد التسلل الى فلسطين عبر الأنفاق. يصف ارييل بيرنشتاين، وهو جندي إسرائيلي سابق شارك في حرب 2014 ضد حماس بأنّ القتال ضد أنفاق حماس هو مزيج من الكمائن والأفخاخ، والمخابئ والقناصة وأشار الى انّ الأنفاق كان لها تأثير مربك، لأنّ مسلحي حماس كانوا يظهرون فجأة من العدم، مضيفاً أنت لا تراهم، كما لو انّ الأمر كان مقاتلة أشباح. توقّع وزير الدفاع الإسرائيلي يوف غالانت هجوماً برياً صعباً، كلام غالانت أتى بتاريخ 27 تشرين الأول 2023 وحذّر من أنّ تفكيك شبكة الأنفاق الواسعة التابعة لحركة حماس سيستغرق وقتاً طويلاً، والوقت الطويل سيصبّ في مصلحة حماس.
وفي وقت سابق ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، انّ الجيش الإسرائيلي سيواجه واحدة من أصعب المعارك في واحدة من أكثر المناطق اكتظاظاً بالسكن. في إشارة الى قطاع غزة، حيث يرفض سكانه الاستجابة لأوامر إسرائيلية بالنزوح من شماله الى جنوبه. بدورها حذّرت دراسة إسرائيل من خيار الاجتياح البري لغزة قائلة أنه خيارٌ مرتفع المخاطر وجاء في الدراسة التي نشرها مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية تحت عنوان الحرب في غزة وانعكاساتها الاستراتيجية على القضية الفلسطينية، انّ الصواريخ التي تمتلكها الفصائل الفلسطينية ستكبّد إسرائيل خسائر فادحة. وأضافت الدراسة تمتلك الفصائل صواريخ كورنيت المضادة للدبابات، وهي قادرة على تدمير الآليات المدرعة بما فيها دبابة الميركافا والتي تعتمد عليها إسرائيل في هجماتها البرية. ووفقاً للدراسة يمكن أن تتسبّب تلك العملية في إلحاق خسائر كبيرة في صفوف الجيش الإسرائيلي وأنها يمكن أن تمتد زمنياً في حال صمود المقاومين وما قد يليها من حرب شوارع خصوصاً مع أهمية أنفاق غزة. وبشأن الخسائر الاقتصادية تتكلّف إسرائيل يومياً في حربها مليار شيكل أي 246 مليون دولار بحسب وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، والذي أضاف أنّ ميزانية 2023 – 2024 لم تعد مناسبة بسبب الحرب على غزة، مشيراً الى انه سيجري تعديلها. ويذكر انّ 60 بالمائة من الاستثمارات الأجنبية اتخذت طريق الهروب. وتبقى الأرض المحروقة أرض الحرية المسروقة فلسطين أمانة في أعناقنا وواجب علينا استعادتها.