قضى الاتفاق بوقف إطلاق النار في غزة بين جيش الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة متجسّدة بحركتي حماس والجهاد الإسلامي بوقف إطلاق النار لمدة أربعة أيام وفي حين تنص الهدنة على أن أيامها الأربعة قابلة للتجديد، لا تخلو تصريحات المسؤولين الإسرائيليين خصوصا في مجلس الحرب من التهديد باستئناف القتال من أجل القضاء على المقاومة وتحرير الأسرى فما هي أبعاد التهديدات الإسرائيلية هذه؟
في الوقت الذي يذهب فيه الكثيرين الى احتمال تجديد وقف إطلاق النار لاعتبارات منها تبادل المزيد من الأسرى بين الطرفين وازدياد الضغوط الداخلية في إسرائيل من قبل ذوي الأسرى المتبقين إضافة الى الضغوط الخارجية خصوصا الأميركية والأوروبية على خلفية تزايد التأييد الشعبي للقضية الفلسطينية مما يسبب أضرار انتخابية وسلطوية للساسة الغربيين لا سيما الرئيس الأميركي جو بايدن.
في المقابل فإن منع جيش الاحتلال الإسرائيلي الفلسطينيين في جنوب غزة من التوجه الى شمالها واقتصار الحركة بالاتجاه من الشمال الى الجنوب فهو مؤشر على ان جيش الاحتلال يمهّد لاستئناف المعارك بتفريغ شمالي غزة بشكل كلي من سكانها توطئة لتدميرها وإتاحة الميدان لجنوده لاستخدام القوة المفرطة بتنفيذ سياسية الأرض المحروقة خصوصا استخدام أنواع متطورة لتدمير الأنفاق وما يعزز هذا التوجه ان إسرائيل لم تحقق حتى الآن أي من أهدافها المعلنة بالقوة العسكرية كالقضاء على حماس حيث تشير التحليلات الى ان قيادة حماس في غزة لا تزال تدير الحرب بشكل جيد وان مسألة إركاعها لا تزال بعيدة كما ان تحرير بعض الأسرى تم من خلال عملية التفاوض والتي عرضتها حماس بداية الحرب رغم ادّعاءات تل أبيب انها جاءت استجابة لحملتها العسكرية.
إن واقع عدم تحقيق تل أبيب أية نتائج سوى المجازر المتنوعة بحق المدنيين الفلسطينيين ولان نتنياهو لا طريق أمامه سوى الهروب الى الأمام لتأخير سقوطه السياسي المدوي لذلك يبدو مع مزايدات اليمين المتطرف داخل حكومته على انها حرب دينية أكثر ميلاً لمتابعة الحرب على قاعدة انك إذا دخلت نفقاً ولم تجد بصيصاً من أمل فأوغل.
إلّا أن استئناف الحرب هذه المرة ذات مخاطر كبيرة من توسّعها على مدى أوسع ليس فقط على مساحة قوى المقاومة لان الشارعين العربي والإسلامي بعمومه على وقع التحركات الشعبية عالمياً يغلي بصورة كبيرة وقد لا تستطيع الأنظمة خصوصاً التي تحيط بفلسطين ضبط الناس الى ما لا نهاية على ان التطبيع حتى الآن يعتبر أبرز ضحايا عملية «طوفان الأقصى» بحيث يبقى البديل الوحيد الممكن استئناف مسار حل الدولتين وقد اقتنع العالم بأنه لا سلام في منطقة الشرق الأوسط وربما العالم دون حل القضية الفلسطينية التي عادت الى واجهة التداول وبقوة وهذا لا يعني ان إسرائيل ستكفّ عن المماطلة إلّا أن استيلاء المتطرفين في تل أبيب على مقاليد القرار السياسي حالياً فإنه على ما يبدو قاد الى انكشاف خدعة الدولة الديمقراطية في واحة البرابرة وعليه يعود الفضل في ذلك الى المتطرفين الإسرائيليين طالما أهداهم التطرف العربي والإسلامي الداعشي في الجهة الأخرى سابقاً على مستوى الأنظمة الديكتاتورية والحركات المأجورة المزيد من الهدايا المجانية لتأتي المقاومة الفلسطينية في «غزة» خاصة حركتي حماس والجهاد الإسلامي فتعيد الاعتبار الى النقاء والانضباط الأيديولوجي التحرري الفلسطيني الحقيقي ومعه السردية والرؤية العربية والإسلامية والإنسانية الأصيلة لقضية التحرر الوطني.