عشية احتفالات العالم وفلسطين بميلاد السيد المسيح وبمعاني دخول السلام الإلهي الى العالم لا سلام قريب، لا في غزة، ولا في فلسطين ككل، على الرغم من المبادرة المصرية التي تسعى الى وقف الحرب انطلاقاً من هدنة ثانية وتبادل للرهائن! ولكن في المفهوم الإسرائيلي فإن الهدنة ووقف النار هو اعتراف بالخسارة. ما يعني أن المنتظر هو عكس مسار الهدنة. أي ارتفاع منسوب العنف مع مزيد من القصف الجوي من جهة، ومع تخفيف من المواجهات المباشرة ومن الالتحامات بمسافة صفر من جهة أخرى للحدّ من الخسائر الباهظة التي يتكبّدها الجيش الإسرائيلي. ولكن هل يحترم الجيش الإسرائيلي الرأي العام الدولي، ويخفف من حدّة النيران ليومين أو ثلاثة قبل معاودة القصف العنيف، أو يذهب مثلاً الى «هدنة ميلادية» يحتاجها الناس في العالم أجمع؟!
إن المواجهات المباشرة لم تعطِ نتائج إيجابية تظهر تفوّقاً للجيش الإسرائيلي سوى بعدد الضحايا! فنقطة قوة حماس الأساسية في الحرب هي نقطة ضعف الجيش الإسرائيلي، وهي عدم معرفته بخارطة الأنفاق وبدهاليزها. وهو أيضاً أكبر فشل للموساد والشين بيت! وقد أصبحت الأنفاق تشكّل له متاهة أرهقته وما تزال ترهقه! وسيعتمد الجيش الإسرائيلي على نقطة تفوقه فوق الأرض بزيادة القصف الجوي التدميري الهادف الى تحقيق أهداف مباشرة بدرجة أقل! إذ يصعب على الجيش الإسرائيلي تحقيق هدف اغتيالات قادة حماس عبر القيام بالمراقبة اللصيقة لهم كما في كرة القدم من رجل لرجل (man to man). إذ أن تصفية قادة حماس جميعاً تحتاج الى زمن طويل جداً، إذا ما تمكّن فعلاً من ذلك. وهو ما يعتبره أهل غزة مستحيلاً! ما يعني أن تعويض الفشل الإسرائيلي في تحقيق الأهداف وخاصة في تعويم معنويات الجيش واستعادة ثقة الرأي العام بالأمن وبالجيش، سيكون «كالعادة» بتفعيل القصف التدميري الموجع ومسح أحياء بأسرها عن الخريطة. ويبقى التساؤل إذا ما كانت ما تزال الحكومة الإسرائيلية تسعى لاحتلال القطاع كاملاً وللتخلص كلياً من حماس. لأن هذه الأهداف تحتاج الى استراتيجية «الأرض المحروقة» مع مساحة زمانية لأشهر عدة، ولأكثر من أشهر أمام مقاومة شرسة جداً من حماس، ولكن مع فاتورة ثقيلة جداً من أهل وأطفال غزة!
وستعمل إسرائيل أيضاً على زيادة الضغط الإنساني على أهل القطاع بالحدّ من دخول المساعدات الإنسانية، على عكس ما جاء في قرار مجلس الأمن الأخير، وعلى الرغم من افتراض الزامية قرار مجلس الأمن، الذي إن كان لم ينجح بوقف النار، فهو نجح بفتح كوة إنسانية بزيادة حجم المساعدات الى غزة، بامتناع أميركي عن التصويت أو عن استعمال حق النقض، أي الفيتو! ولا يُعنى القرار لا بوقف النار، ولا بالتخفيف من حدّة النار. وهو لن يذهب الى إرغام إسرائيل بتنفيذ ما لا تريده! ما يعني أن المرحلة المقبلة ستمطر ناراً الى جانب شاحنات المساعدات، ولن يقف عداد الضحايا لا عند سقف الـ 20.000 ضحية، ولا عند سقف 30.000، ولا عند أي سقف آخر! فالأهداف الكبرى بعيدة المنال وستتخطى زمنياً كل ما افترضته الخطط الإسرائيلية مسبقاً! ففي ظل فشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق الأهداف الأساسية أصبحت أهدافه الثانوية من دون أي أفق واضح سوى النار والنار والنار! وليس هناك مخرج آخر بانتظار ما هو أكثر خطورة وأكثر دموية!!
* صحافي ومحلل سياسي