IMLebanon

أميركا مسؤولة عن الحل

 

 

أسقط الهجوم المباغت على غلاف غزة في 7 تشرين اول بنتائجه الصادمة والمروّعة صفة الحصن المنيع عن دولة اسرائيل، ومقولة «الجيش الذي لا يقهر» التي اطلقت على جيش الدفاع، والتي بدأت مع نتائج الحرب الصاعقة التي شنّها ضد ثلاثة جيوش عربية رئيسية في حزيران عام 1967، والتي تعمّقت بنتيجة الحروب والعمليات العسكرية اللاحقة خلال ما يزيد على سبعة عقود.

لم ينفع الجدار الامني المجهّز بأفضل الوسائل التكنولوجية للمراقبة والحماية في حماية مستعمرات غلاف غزة من هجوم مفاجئ شنته «كتائب القسام»، وكانت نتائجه كارثية على سكان المستعمرات حيث أدى إلى مقتل 1200 مواطن وجندي، بالاضافة إلى ما يقارب 240 أسيراً اسرائيلياً.

 

كان من الطبيعي أن تعلن الحكومة الاسرائيلية حالة الطوارئ وأن تستدعي مئات الآلاف من الجنود الاحتياطيين للالتحاق بوحداتهم والتهيؤ لحرب واسعة تشنها ضد حماس وضد جميع سكان قطاع غزة دون استثناء، وأعلن رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو بأن «على اسرائيل ان تنهي حرباً لم تردها، وحدد  أهدافها بثلاثة: تدمير بنية حماس العسكرية والسياسية  بالكامل، واستعادة الاسرى، وتهجير سكان غزة إلى سيناء، وهي أهداف صعبة مع استحالة واضحة في إمكانية تحقيقها، من الناحيتين العسكرية والسياسية، وهذا ما أثبتته نتائج الحروب والعمليات العسكرية في مختلف ميادين الحروب الحديثة، من فيتنام إلى العراق وأفغانستان، لكن لم يحدد نتانياهو أو قيادات الجيش الاسرائيلي الروزنامة الزمنية للعملية العسكرية في غزة، وهي مستمرة منذ ثلاثة أشهر، وكانت نتائجها كارثية، على السكان حيث  قتلت ما يقارب 22 ألفاً معظمهم من النساء والاطفال، كما جرح ما يقارب 58 ألفاً من المدنيين، ودمرت ما يزيد على 60 في المائة من الوحدات السكنية في كامل القطاع، لكن وبالرغم من هذه الخسائر الكارثية على القطاع وسكانه فإن الواقع الميداني لا يؤشر اطلاقاً على إمكانية  تحقيق أهداف العملية المعلنة، وهي ما دفع رئيس الحكومة مؤخراً إلى إعلان امكانية الاستمرار في الحرب طيلة عام 2024.

 

لكن فات نتانياهو أن يتذكر بأن التفويض المعطى له من واشنطن لا يغطي الفترة الزمنية الطويلة التي بدأ يتحدث عنها مؤخراً، حيث تتحدث التقارير عن توسع الفجوة بين الموقفين الاميركي والاسرائيلي والتي ظهرت من خلال التناقض في موقفي الرئيس بايدن ونتانياهو أثناء محادثتهما  الهاتفية الأخيرة.

لا يقتصر الخلاف بين القيادتين الاميركية والاسرائيلية على الروزنامة الزمنية للحرب بل يتوسع ليشمل الابعاد السياسية للعملية، وكيف بالتالي يمكن أن تنتهي، لتبدأ مرحلة من العمل الديبلوماسي تحضيراً للدخول في مفاوضات لحل النزاع مع الفلسطينيين أو بعبارة أوضح، يؤدي إلى العودة لحل الدولتين، ويبدو بأن مواقف نتانياهو من تطوّر العمليات العسكرية، وإطالة أمدها لتخدم برنامجه السياسي للبقاء في السلطة، ستكون كفيلة بالتذكير بالحساسيات الخاصة الموجودة بينه وبين بايدن منذ وصول الر ئيس الاميركي إلى البيت الابيض، مع حالة عدم الرضى التي واجهت بها الادارة الاميركية اختيار نتانياهو لحلفائه من أقصى اليمين الاسرائيلي في تشكيلته الحكومية الراهنة.

في رأي عدد من الخبراء في العلاقات الاميركية – الاسرائيلية فإن أحداث 7 تشرين بنتائجها المؤلمة لإسرائيل قد فرضت واقعاً جديداً على طرفي المعادلة، ولكنها لم تبدد الخلافات العميقة، وذلك بالرغم من إعلان بايدن بعد وصوله لإسرائيل بأن الولايات المتحدة ستقف إلى جانب اسرائيل، وتمدها بكل ما هو لازم للدفاع عن نفسها، لكن يبدو بأن هذا الدعم لن يكون مفتوحاً، وهذا ما دفع وزير الخارجية انطوني بلينكن إلى سؤال الاسرائيليين أثناء زيارته في10 كانون اول لإسرائيل «متى تتوقعون أن ينهي الجيش عملياته في غزة» وجاءه الجواب المفاجئ «تبقى هذه القرارات حكراً لإسرائيل لأخذها» يضاف إلى هذا التناقض في الموقفين الاميركي والاسرائيلي، التصريحات التي أدلى بها وزير الدفاع لويد اوستن في الثاني من كانون اول حول ضرورة حماية المدنيين في غزة «على انها قضية أخلاقية وضرورة استراتيجية» ولكن مع الابقاء على «حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها».

في ظل التعقيدات التي خلّفتها الاهداف الاسرائيلية للعملية العسكرية والتي تدفع نحو استحالة تصوّر رؤية موضوعية لنهاية هذه الحرب يميل بعض المراقبين إلى تشبيهها بحرب رمضان 1973، وذلك بالرغم من الاختلافات الكبيرة بين الحربين، فالحرب عام 1973 كانت بين دول، تحاول استرجاع أراضيها المحتلة، أما الحرب على غزة فإنها بين دولة اسرائيل وفصيل مسلّح اسلامي يريد الثأر من اسرائيل عن كل الظلامات الراهنة والسابقة التي ألحقتها بالشعب الفلسطيني، وأن عمليته العسكرية في مستعمرات غلاف غزة مع ما رافقها من عمليات قتل وأخذ رهائن قد كشفت عن ضعف البيئة الامنية والعسكرية الاسرائيلية، وألحق العار بالقيادات السياسية والعسكرية وعلى كل المستويات، وهو أمر لا يمكن أن تغفره الحكومة اليمنية أو تتحمل سياسياً نتائجه، في المقابل لا يمكن لحماس وللشعب الفلسطيني أن يغفر لإسرائيل الخسائر الكبرى بالارواح والدمار الشامل الذي ألحقته بالقطاع وسكانه.

دعت صعوبة تخطي نتائج عملية 7 تشرين، والكارثة الناتجة عن الحرب على القطاع الرئيس الاميركي بايدن ان يتوقع بأنه لا يمكن للمنطقة أن تعود بعد الحرب إلى «الستاتيكو الذي كانت عليه قبل 7 تشرين»، تفرض هذه الرواية التي وصفها الرئيس أن تتحرك الادارة الاميركية بفعالية ووضوح لوضع سياسة واعتماد منحى ديبلوماسي هادف لتحقيق حل الدولتين، وبالتالي وضع نهاية للصراع الفلسطيني – الاسرائيلي، وإذا تأخرت الادارة الاميركية في رسم خارطة الطريق الجديدة لتحقيق ذلك فإن المنطقة مرشحة للسقوط في مستنقع من الصراعات العسكرية، غير القابلة لأي حل، مع كل ما يمكن أن يتسبب به ذلك من اهتزازات واضرار لاستقرار المنطقة وللمصالح الاميركية الكبرى، ومن المفترض أن يدرك بايدن وادارته مدى مخاطر التأخر في وضع الخطة المطلوبة، وبالتالي ترك الامر للمتطرفين الاسرائيليين لتقرير مصير غزة، وبالتالي منع حماس أو السلطة الفلسطينية من المبادرة لتشكيل السلطة البديلة للسلطة الراهنة.

يبقى الخيار الافضل لحكم غزة بعد الحرب في اعادة تأهيل السلطة الفلسطينية لفرض الامن والاستقرار خلال مرحلة انتقالية، وإلى حين انتهاء المفاوضات السياسية لإرساء حل الدولتين.

في النهاية تواجه الولايات المتحدة أزمة معقدة في سعيها لإرساء حل بعد 56 سنة من الاحتلال، ولا بد أن تدرك بأنه بات من الملح البحث عن حل سريع لهذه الازمة، وبأنه لم يعد من الممكن تأجيل الامر، ولا بدّ أن تدرك واشنطن بأن لديها فرصة «ذهبية» للاستفادة من دعم مختلف الدول العربية، لمسعاها لإقامة الدولتين وتحقيق السلام الشامل والعادل.