Site icon IMLebanon

جوعان عريان «عيّان»

 

 

شاءت المصادفة أن ألتقي صديقاً عربياً قديماً كان سفيراً لبلده في لبنان قبل أكثر من عقدين من الزمن فنشأت بيننا صداقة عائلية، وانقطعنا عن التواصل في الأسابيع الأخيرة وقد استأثرت وقائع العدوان على غزة ومضاعفاته الأليمة باهتمام كل منا. ومن دون سابق قرار وتدبير وجدنا نفسينا وجهاً لوجه في الطبقة ذاتها من الفندق في إحدى العواصم الأوروبية.

 

تطورات غزة المؤلمة وما يعانيه الفلسطينيون المناضلون الصابرون، هناك من ويلات وما يصيبهم من فواجع الحرب الوحشية عليهم، كان الطبق الرئيس على مائدة الطعام التي اجتمعنا إليها(…).

 

ودائماً في السياق ذاته، تشعب الحديث مع إصرار الصديق الديبلوماسي العربي على أن يتناول دور لبنان في الانخراط بالحرب. في الآتي سأنقل جانباً من كلامه، بشكل مقتطفات لا رابط منهجياً في ما بينها:

 

قال: لماذا يجد اللبناني نفسه (المواطن العادي والمسؤول كذلك) معنياً بما تتعرض له غزة كما يجد ذاته مضطراً للانخراط في الدفاع عنها؟ وفي المقابل، وبالمقدار ذاته، لماذا لا يحس العربي الآخر (مواطناً عادياً ومسؤولاً) بالمشاعر ذاتها؟

 

وأضاف: لماذا على لبنان أن يكون معنياً بتطورات غزة أكثر من مصر والأردن وسوريا والمملكة العربية السعودية والمملكة المغربية، وسائر بلدان هذه الأمة في مشارقها ومغاربها؟ هل لأنه أكثر عدداً؟ أو أشدّ قوة؟ أو لأن خزائنه أكثر ملاءة؟

 

ومضى يقول: ومع هذا كله، هل تظن يا صديقي أن أحداً يقدر لكم جميلاً، أو كما تقولون في لبنان «يربح لكم مِنّيّة»، والعكس صحيح، فأنتم في حملكم سلّم القضية الفلسطينية بالعرض، منذ ما قبل إنشاء إسرائيل على تراب فلسطين المحتلّة، تزعجونهم، تخضّون هناءهم، تخربطون أمزجتهم وسهراتهم، تحوّلون أحلامهم الى كوابيس، والأنكى أنكم تفرحون لما تقومون به بالرغم مما تدفعون من أثمان عالية وغالية.

 

واستطرد، في ختام هذه المقتطفات: ماذا بقي لكم؟ فوطنكم محاصَر دولياً وشبه منبوذ إقليمياً، خسائركم هائلة في الحجر والبشر. وباتت حالكم أشبه بذاك الجوعان العريان الحافي والعيّان (المريض باللهجة المصرية المحَبّبة) الذي يقف، بالمعنى المباشر والحرفي للكلمة، على حد السيف ويطلق شعارات النضال والصمود. عليه: ماذا يبقى لكم فعلاً؟

 

أجبته: يا صديقي العزيز، يبقى الأغلى والأكثر أهمية، تبقى الكرامة.