في الساعات الـ24 التي سبقت وصول الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين إلى بيروت، جرى التداول بسيناريو متفائل في أوساط بعض المسؤولين اللبنانيين المعنيين بالزيارة. ويدافع هؤلاء عن مبررات تفاؤلهم، على رغم السوداوية والضبابية التي تحيط بمفاصل الصراع، خصوصاً في غزة.
يسود اعتقاد في أوساط بعض المسؤولين اللبنانيين بأنّ أياً من الأطراف المعنية بحرب غزة، في شكل مباشر أو غير مباشر، لا يستطيع تحمّل استمرارها إلى ما لا نهاية. ولذلك، سيجد الجميع أنفسهم أمام حتمية إنهائها في أقرب وقت، وضمن مدى لا يتجاوز الشهرين المقبلين. ولكن، قبل ذلك، سيحاول كل طرف أن يحسّن موقعه على أرض المعركة ويطرح ما أمكنه من شروط، لتأتي التسوية مناسبة له. ويرتكز المتفائلون بالانفراج إلى مجموعة عوامل ضاغطة في هذا الاتجاه:
1- لم يتخذ هوكشتاين قرار الانتقال من إسرائيل إلى لبنان لو لم تتكون لديه معطيات تؤشر إلى احتمال حصول خرق أو تقدّم في المفاوضات حول ترسيم الحدود براً والتوافق على ترتيبات أمنية.
2- إنّ مهمّة هوكشتاين تتمّ في ظل الرؤية الاستراتيجية التي تتبنّاها الإدارة الأميركية الحالية لمجمل الوضع في الشرق الأوسط، والتي تشكّل امتداداً لرؤية الرئيس باراك أوباما. وقوامها الآتي:
عدم التورط في مستنقع أزمات المنطقة، والانسحاب من ساحاتها العسكرية.
الحفاظ على أمن مصادر الطاقة.
ضمان أمن إسرائيل.
إبرام تسويات مع إيران وحلفائها على امتداد الإقليم، من أجل التفرّغ للمواجهة مع روسيا والصين.
وهذه الرؤية يعمل الرئيس جو بايدن جاهداً لترجمتها عملياً قبل انتهاء ولايته بعد عام تماماً.
3- هناك ضغوط دولية متزايدة يتعرّض لها بنيامين نتنياهو ورفاقه في اليمين الإسرائيلي، ستدفع بهم إلى وقف الحرب في غزة. وملامح هذا الموقف بدأت تظهر في الأيام الأخيرة.
ويقول البعض إنّ الدعوى المرفوعة في وجه إسرائيل، أمام محكمة العدل الدولية، بتهمة ارتكاب أعمال إبادة جماعية في غزة، لا يمكن الاستهانة بمفاعيلها. فالرأي العام الدولي الذي شهد تضامناً واسعاً مع إسرائيل بعد عملية «طوفان الأقصى»، تحت عنوان أنّها أدّت إلى مقتل أعداد كبيرة من المدنيين الإسرائيليين في يوم واحد، بدأ يتبدل تدريجاً. وينمو اقتناع بأنّ إسرائيل تجاوزت حدود الردّ على العملية، وتمادت في ارتكاب جرائم إبادة جماعية حقيقية للسكان في غزة. وهذا الاتهام لا تستطيع إسرائيل أن تنفيه لأنّه موثق بالصور التي نقلها الإعلام العالمي، ولا تستطيع أن تتحمّل هذه الانتهاكات، فيما هي تبرّر وجودها أساساً بعنوان الجرائم الجماعية النازية ضدّ المدنيين اليهود خلال الحرب العالمية الثانية.
4- لا يمكن الاستهانة بمأزق نتنياهو في مسألة الأسرى. وإعلانه أنّ إسرائيل لن توقف القتال مقابل ضمان حياتهم يثير ردوداً غاضبة داخل عائلات هؤلاء والرأي العام الإسرائيلي عموماً. فليس مقبولاً لدى ذوي الأسرى أن تتعاطى الحكومة مع ملفهم وكأنّهم قتلى وانتهى الأمر. وخلال زيارة وزير خارجية واشنطن، أنتوني بلينكن، لإسرائيل، شكّل ذوو الأسرى وفداً التقاه وطالبه بإيلاء هذا الملف أولوية.
5- يمارس الأطلسيون ضغوطاً على إسرائيل لإخماد الحرب في غزة، في أقرب ما يمكن، أو تبديل أسلوبها، بحيث يتاح لهم استرجاع تركيزهم على أوكرانيا، تجنّباً لأي صدمة قد يتعرّضون لها من جانب موسكو.
6- من مصلحة «حماس» أيضاً قطف ثمار ما تحقّق حتى الآن سياسياً. فما استطاعت إسرائيل تحقيقه حتى اليوم هو تدمير غزة وتهجير أهلها، لكنها لم تُصب «حماس» بضربات قاتلة. ومن مصلحة الحركة إيجاد حل سياسي يرضيها ويكرّس مكانتها.
7- العرب قلقون من عواقب المغامرة التي يخوض غمارها الإسرائيليون والإيرانيون على أرض فلسطينية، والتي قد تطاولهم بتداعياتها. وظهر ذلك في قمّة العقبة التي جمعت قادة السلطة الفلسطينية ومصر والأردن، وفي المخاوف التي تعبّر عنها المجموعة الخليجية التي يفترض البعض أنّ دورها سيكون أساسياً في إعادة بناء غزة وإرجاع النازحين إلى منازلهم.
كل هذه المبررات يتمّ التداول بها في أوساط بعض المسؤولين اللبنانيين لترجيح الاعتقاد بأنّ الحرب في غزة لن تدوم لأشهر طويلة أو لعام مقبل، وستنتهي قبل الربيع. ويوحي البعض أنّ الضاغط الأساسي الذي من شأنه جعل السيناريو المتفائل واقعياً، هو استعجال الإدارة الأميركية تحقيق هذا الهدف قبل انتهاء الولاية الحالية، لئلا يقوم الخصم المرتقب في الحزب الجمهوري، أي دونالد ترامب، باستثمار الحرب وتداعياتها في حملاته الانتخابية والتأثير على الرأي العام لدعم موقعه.
وإذ يورد المسؤولون هذا السيناريو المتفائل، يشيرون إلى أنّ مصلحة لبنان تكمن أيضاً في تعميم مناخات التسوية إقليمياً. فلبنان لا يستطيع تحمّل الحرب في الجنوب والصدمات الأمنية والفراغ والشلل الإداري والجمود السياسي والاهتراء الاقتصادي لشهور طويلة أو عام أو أكثر. وما من شك في أنّ استمرار الحرب في غزة سيُبقي لبنان رهينة الأزمات الخطرة. ولذلك، من مصلحته أن تعمّ التسويات على مستوى الإقليم.
ولكن، هذا السيناريو المتفائل هل يجد سبيله فعلاً إلى النور؟
بعض المتابعين يخشى أن يكون العصب اليميني في إسرائيل متفلتاً من كل الضوابط، وأن يعتمد سياسة «تقطيع الوقت»، بـ»نصف حرب تقليدية» في غزة و»نصف حرب اغتيالات» في خارجها، حتى انتهاء ولاية بايدن. وفي هذه الحال، سيكون العام الجديد ثقيلاً جداً على الشرق الأوسط ولبنان.