فشل الاميركي في انتزاع «صكّ الإدانة» لعملية «حماس» من قِبل روسيا والصين في مجلس الامن، الامر الذي يتطلّب بحسب مصادر عسكرية رفيعة المستوى، ثمناً باهظاً ومكاسب كبيرة تطالب بها الدولتان العظميان، لتوقّع ذلك الصكّ، وهما اللتان مثل بعض الدول، تستغل اليوم سخونة الملف الفلسطيني لتحقيق مكاسب اضافية لصالحها، اي ليس كرمى للقضية الفلسطينية او لنصرة «حماس» انما خدمةً لمصالحها.
وفي هذا السياق، أوضح العميد المتقاعد فادي داود قائد معركة «فجر الجرود» لـ«الجمهورية»، انّه بالنسبة «لصكوك الإدانة» فمن المؤكّد وحكماً أن يتعارض دائماً موقف الطرف الروسي من الموقف الاميركي داخل مجلس الامن، وكذلك الامر بالنسبة للموقف الصيني، إلاّ اذا قبض الاثنان ثمن هذه الادانة مذكّراً انّه في عام 2006، اي حين ارتضت الدولتان التوقيع على قرار 1701 قبضت الصين يومها الثمن في تايوان، وكذلك روسيا قبضت ثمنها في ملفات اخرى. والسؤال: هل يناسب الولايات المتحدة اليوم دفع ثمن صكّ إدانة «حماس» في اوكرانيا؟ والكل يعلم انّ مصلحة اميركا الكبرى هي في اوروبا، ولذلك لن تقدّم اميركا لروسيا أية تنازلات في اوكرانيا مقابل إدانة «حماس».
الشعوب داعمة والحكومات تدين
وفي السياق، وعلى المستوى الدولي، يرى داود، انّ البارجة الاميركية «فورد» التي سترسو في المتوسط، هي فقط للضغط المعنوي، مؤكّداً انّ اميركا اذكى من ان تستعملها، بل وجودها في المتوسط هو للقول للاسرائيلي ولإيران معاً «نحن موجودون». بمعنى لطمأنة اسرائيل والتهويل على ايران.
بالنسبة للمستوى الروسي الدولي، فستبقى روسيا محرجة امام الصواريخ التي اطلقتها «حماس» لأنّها صواريخ روسية الصنع، وبالتالي ستبقى روسيا في عين المساءلة الدولية بالنسبة لعملية «حماس».
هذا على الصعيد الدولي، اما على صعيد الداخل، فتلفت مصادر عسكرية رفيعة المستوى انّ عصر الـ 2006 كان عصراً شيعياً، والمواجهة جعلت «حزب الله» من بين الشعوب العربية الأكثر شعبية، فيما اليوم وفي عام 2023، يمكن القول انّ نجم حركة «حماس» يسطع من جديد وهي بأساسها تنبع من رحم جماعة «الاخوان المسلمين»، مستعيدة بذلك دور الاسلام السنّي من بابه العريض. ويبقى هنا السؤال، ماذا سيكون موقف الدول العربية من سطوع نجم حركة «حماس» خصوصاً امام ايران الفارسية الداعمة للسنّة في عملها المقاوم داخل اسرائيل، وقد خطفت بذلك من الدول العربية «الغطاء والمعية»، وبالتالي هل سيتبنّى العرب العملية ام سيقفون ضدّها، مثلما اتضح مع عدد من الدول العربية التي كانت تهّلل في ما مضى لنصرة فلسطين، إلاّ انّ حالة التطبيع اليوم مع الكيان الاسرائيلي تربكها؟!
امام هذه المتغّيرات يمكن القول انّ الظروف تبدّلت اليوم، فالشعوب داعمة لكن الحكومات تدين.
عن تدخّل الحزب!
في السياق، افادت تقارير استخباراتية خارجية عن دور «حزب الله» في التخطيط وتجهيز وتدريب «حماس»، ولهذا عُقد لقاءان بين الحزب وبين الجهاد الاسلامي، الاول في أيار والثاني منذ حوالى الشهر بين الحزب وبين «حماس». فضلاً عمّا قاله اسماعيل هنية من انّ فصائل المقاومة بكاملها ستشارك في المعركة، بدءاً باليمن والعراق وسوريا وصولاً الى لبنان، اذا ما حوصرت «حماس»، ولهذا فتح «حزب الله» فوراً ومنذ بدء العملية في غزة جبهة كفرشوبا.
ولذلك السؤال المطروح اليوم، ليس عن امكانية تدخّل الحزب بل عن مدى حجم تدخّله، وهذا الامر تفرضه الظروف الميدانية.
اما بالنسبة للاسرائيلي، فلديه ثلاثة خيارات بحسب العميد داود؛ غزة، جنوب لبنان او المفاعل النووية في طهران، ومن الطبيعي انّ اميركا لن تسمح للاسرائيلي بمهاجمة ايران، فيبقى جنوب لبنان وغزة، ومن الاسهل اليه غزو غزة من غزو جنوب لبنان اقلّه براً.
ماذا عن الأسرى؟
يقول مصدر عسكري مطلع، انّ 150 اسيراً لدى «حماس» مقابل 7500 اسير لدى اسرائيل في المعتقل يطرح السؤال التالي: مَن لمصلحته ان يحافظ على أسراه اكثر؟ وتجيب المصادر نفسها، انّ لـ«حماس» مصلحة اكثر في المحافظة على 7500 اسير اكثر من مصلحة اسرائيل المحافظة على 150 اسيراً. ولذلك اسرائيل مطمئنة إلى انّ «حماس» ستحافظ على الاسرى الاسرائيليين لاسترجاع أسراها الـ 7500 وليس العكس، إذ ليس من مصلحتها إبادتهم حتى لو اعلنوا ذلك امام الاعلام، لأنّ الامر يدخل في سياق الاستراتيجية الدفاعية المعتمدة للتضليل والتهويل بالدروع البشرية. اما الحقيقة فهي انّ «حماس» تعلم انّ الأسرى هم ورقتهم الوحيدة.
وفي السياق، يرى خبراء عسكريون، انّه في الحروب العسكرية تصرّح الحكومات امام الإعلام بأمور معاكسة تماماً لخطواتها. فليس من دولة تؤخّر مهمّة عسكرية لأي سبب من الاسباب، ولو للمحافظة على أسراها ورهائنها. فإذا اقتضت الضرورة العملية التحرّك سيتخلّون عنهم، بمعنى انّ الاسرائيلي امام واقع الـ 1500 قتيل سيضحّي بالـ 150 أسيراً لتحقيق نصره واستعادة هيبته، إلّا انهم لا يمكنهم التصريح بذلك.
وفي قراءة تحليلية لعملية «حماس» باتجاه المستوطنات الاسرائيلية، لفت العميد داود انّها انطلقت من ثلاثة محاور: جواً بحراً وبراً، والنجاح كان في المحور البري. متسائلاً اين اختفت القدرات الاستخباراتية للأجهزة الاسرائيلية وحلفائها الدولية؟ وكيف يمكن لعملية بهذا الحجم وهذا التخطيط الإفلات في ثغرة تلتقطها الاستخبارات الاميركية او الاوروبية او الدول الحليفة لدولة اسرائيل؟
في الخلاصة، تلفت مصادر عسكرية مطلعة، انّ هكذا نوع من المعارك من الممكن جداً ان توصل الاسرائيلي الى حائط مسدود، والى خلاصة مفادها استحالة ردع الفلسطيني مدى الحياة والغاء فكرة إبادة شعب فلسطين.
وبذلك سينتقل للسير بحل الدولتين. وبحسب المحلّلين قد تكون هذه الحرب بداية لحل الدولتين: اسرائيل وفلسطين مع بعض التعديلات، اي اتفاق اوسلو جديد معدل او مدريد جديدة قد تشّكل مدخلاً جديداً للتسوية الكبيرة ، إذ لا يمكن بعد الآن لاسرائيل محاربة جيوش عديدة في الوقت نفسه كما كانت تفعل في الـ 67 والـ 70، فيما تُشن عليها اليوم الحركات الجهادية عمليات نوعية لا يمكن مجاراتها او الوقوف بوجهها لأنّها لم تعد حرباً كلاسيكية.
ويبقى السؤال الأساس، وقد يكون من المبكر طرحه: هل ستسهّل ايران هذا الحل اي حل الدولتين؟ وهل وصلتها هي ايضاً مكاسبها؟ والاهم مقابل ماذا ستوافق ايران (وليس فقط روسيا والصين) على التسوية لحلّ الدولتين، لتعطي بركتها على الحل في فلسطين؟!