Site icon IMLebanon

لبنان في معادلة توازن الرعب ووحدة الساحات

 

منذ اللحظة الأولى لحرب غزة، وقف معارضو حزب الله أمام مشهد قديم – جديد يتعلق بموقع لبنان من معادلة الحرب الإقليمية التي يمكن أن تقع في أي لحظة. ولأن المعركة فُتحت على تكهنات كثيرة وسيناريوهات متعدّدة، يمكن الكلام عن قراءات تتداخل فيها المعلومات ذات المصدر الغربي والمشهدية اللبنانية.

 

من الطبيعي التركيز، منذ انكشاف حقيقة ما حصل في غزة، على موقع حزب الله واحتمالات تدخّله. لكن الأكثر من ذلك لاحقاً، كان رصد تريّث حزب الله بعد الساعات الأولى، وعما إذا كان تريثاً مقصوداً أو مرتبطاً فقط بحجم رد فعل إسرائيل على غزة براً وجواً. ما رصده معارضو حزب الله من دول غربية أن معادلة وحدة الساحات التي جرى الكلام عنها تكراراً باتت تحمل وجهين، وجه الساحات التي تهاجم والساحات التي تتلقّى رد الفعل. بذلك تتساوى لدى إسرائيل والولايات المتحدة الدول التي يمكن أن تتلقى الرد الإسرائيلي. لكن هذا يعني، في المقابل، أن من الصعب التعامل مع التحذير الغربي – الإسرائيلي، من دون الأخذ في الاعتبار أن عدم تضافر جبهات المحور المعادي لإسرائيل، لن يكون له مردود سلبي لأن ذلك يعني تسليماً بحجم الإنذارات ومفاعيلها، ولأنه يعني كذلك أن حزب الله ترك غزّة وما تثيره عربياً وفلسطينياً بين يدي حماس مع ما يعنيه ذلك مستقبلاً من تجاوز للقضية المركزية. في مقابل تسليم الفريق المؤيد لحزب الله بأن التريث مزدوج، إسرائيلياً ولبنانياً (حزب الله)، على قاعدة توازن الرعب بين الطرفين، الأمر الذي يبعد لبنان عن احتمالات دخوله على خط النار.

 

في ضوء الرسائل السياسية والدبلوماسية المتبادلة بين لبنان الرسمي وإسرائيل وحزب الله عبر وسطاء، والرسائل العسكرية المباشرة، لا يمكن التقليل من خطورة مخاوف تفلّت الوضع نحو الحرب. ومع ذلك، ثمة مكان للترهل السياسي في شكل فاقع، وكأنّ هناك تسليماً مسبقاً بالعجز.

لا تشبه عملية غزة مع الحرب التي بدأت تأخذ منحى تصاعدياً حرب تموز، بالمعنى العملاني. عنصر المفاجأة لإسرائيل لا ينطبق لبنانياً، لأن ما حصل منذ أيام قليلة، كان يفترض أن يشكل قاعدة أولى للبنان من أجل الاستعداد للمرحلة المقبلة مع رسم كل السيناريوهات التي تأخذ الوضع نحو منحى الحرب الشاملة، أو حتى حرب استنزاف وتوتير تصاعدي مربك بما يكفي للبنان. فبعد ساعات غير قليلة من انفجار الوضع، بدا أن تراخياً لبنانياً انعكس في أداء أجهزة أمنية وعسكرية وفي مواكبة السلطة السياسية أو ما تبقّى منها لوضع خطة طوارئ بالحد الأدنى. علماً أن تجربة حرب تموز، مع كل ما وُجه إلى حكومة الرئيس فؤاد السنيورة من انتقادات سياسية لاحقة من جانب حزب الله، أعطت شكلاً أساسياً من أشكال المواكبة العملانية سياسياً ولوجيستياً، من دون القفز فوق وجود تركيبة سياسية في تلك المرحلة، من رئيس الجمهورية إلى الحكومة القائمة والقوى السياسية الفاعلة، وحتى البطريركية المارونية التي واكبت مع البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير الحرب من موقع الدفاع عن لبنان. في تلك المرحلة، ورغم الاختلاف السياسي بين فريقَي 8 و14 آذار والموقف من أصل الحرب، لم يكن الوضع الداخلي بهذا السوء في مواجهة تداعيات الحرب تهجيراً وقصفاً. اليوم، لا يمكن الكلام عن مشهد مماثل. ففي غياب رئيس للجمهورية وفي ظل حكومة تصريف أعمال ودبلوماسية خارجية أقل ما يقال فيها بأنها متعثّرة (وآخر تجربة تمثّلت في الإرباكات التي رافقت التمديد للقوات الدولية)، لا يمكن الركون إلى خطة مواجهة بالحد الأدنى. علماً أن ردود الفعل السياسية الأولى تعطي انطباعاً واضحاً عن حجم الموقف اللاحق إزاء أي علاقة لحزب الله بحرب مستقبلية. وهذا لا يعفي التيار الوطني الحر الذي يحاول تمييز موقفه، لأنه سيكون من الآن وصاعداً أكثر تحت المعاينة، في إعادة ربط ما انقطع مع الحزب، وإعادة تكرار مشهد عام 2006 في توفير حماية داخلية للحزب وما يترتّب على موقفه لاحقاً من تزخيم علاقته بحزب الله.

 

تراخٍ في أداء أجهزة أمنية وعسكرية وفي مواكبة السلطة السياسية للأحداث

 

 

لكن حتى الآن، ومع تدهور العلاقات الداخلية إلى هذا الحد من الانقسامات، تُطرح مجموعة من الهواجس: كيف يمكن الاستعداد لمواكبة أي تطور من نوع انضمام لبنان إلى الحرب الدائرة؟ وكيف يمكن للحكومة بوضعها الراهن والانهيار الداخلي توقّع تدحرج الوضع الاجتماعي مع احتمالات ثلاثة: عمليات نزوح لبنانية إلى مناطق داخلية، وهذا الأمر بدأ يأخذ طابعاً جدياً مع توسّع المخاوف جنوباً من أعمال القصف الدورية وما يرافق ذلك من حاجات اقتصادية وحياتية غير متوفّرة، والأخطر توقع موجة نزوح سورية بالآلاف إلى الداخل وأي مناطق لديها القدرة الاستيعابية ولا سيما بعد الصدامات الأخيرة لتوفير أماكن لجوء للنازحين، واحتمال دخول العامل الفلسطيني والخلافات الداخلية وتدهور الوضع الأمني في مخيم عين الحلوة ربطاً باحتمالات توتر الوضع في غزة وتباين ردود الفعل الفلسطينية الداخلية تجاه ما يجري في غزة. فضلاً عن أن لبنان الذي يعوّل على نتائج الحفر البحري عن الغاز المستمر حتى الساعة، لن يكون بمنأى عن توقيف أعماله على غرار ما فعلت إسرائيل. وهذا في حد ذاته ملف شائك. والمشكلة أن لبنان الرسمي في وادٍ وما يجري حقيقة في كواليس الرسائل الدولية والإقليمية في وادٍ آخر. ومع ذلك لا يتعامل لبنان الرسمي بالحد الأدنى مع فكرة أنه كلما ذهبت الأوضاع إلى مزيد من الاستنزاف اليومي، تضاعفت الهواجس والمشكلات التي ستضاف إلى أضرار الحرب.