لبنان والمنطقة عالقان في غمرة الصراع بين الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتانياهو، وهو صراع انتقل الى العلن في الأسابيع الأخيرة ليس فقط عبر وسائط الإعلام الأميركية والأوروبية، إنما كذلك في التسريبات الرسمية لدى الجانبَين، وسط استغراب ودهشة المراقبين الذين لا يستطيعون أن يجدوا منطقاً لهذا الصراع الذي يناقض طبيعة العلاقة بين الطرَفَين، اذ لا يقبل العقل أن يكون رئيس الدولة الأعظم، في هذه الحقبة من الزمن أي الولايات المتحدة الأميركية، لا يستطيع أن يمون على رئيس حكومة الكيان الصهيوني، ليس فقط لأن الأول هو أول رئيس في بلده وفي العالم قاطبة يعلن أنه صهيوني من دون أن يكون يهودياً، وهو أعلن صهيونيته منذ أن حطّت به الطائرة على ارض فلسطين بُعَيد عملية «طوفان الأقصى». إضافة الى أن واشنطن تقدّم للكيان العبري مستلزمات الحرب كلها وأيضاً تَدفُق عليها بمليارات الدولارات من جيب المكلف الأميركي.
وبالرغم من ذلك كله، فقد أثبتت وقائع الأيام الأخيرة من الحرب الوحشية على غزة أن المموِّل والذي يدفق الأموال على المتلقي ويدعمه (مصيرياً) في المواقف الديبلوماسية كذلك، هو عاجز عن أن يمون عليه ولو بالموافقة للقبول على الأقل بِـ «هدنة موقتة» تسترجع الأنفاسَ خلالها الأطرافُ جميعُها.
والواقع أن الاثنين مأزومان: فالرئيس جو بايدن محشور في الانتخابات الرئاسية التي يخوض غمارها من دون أي منافس فعلي من حزبه الديموقراطي، وهو يرى شعبيته تنهار أمام ناظريه لأنه متّهمٌ بأنه يقف شبه متفرِّجٍ على المجازر اليومية، غير المسبوقة بفظائعها والتي فشل اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة والعالم أجمع في أن يغطي عليها كما اعتاد أن يفعل في السابق، وقد أثّرت جرائم الحرب البربرية في الرأي العام الأميركي لا سيما لدى الناخبين من الأقليات من أصول عربية ولاتينية وأفريقية بنسبة ملموسة. لذلك يطمح بايدن الى أن يخفف من عزوف الناخبين عنه بهدنةٍ في غزة.
أمّا المأزوم الثاني السفّاح نتانياهو فيريد مواصلة المجازر والدمار وارتكاب جرائم الحرب وإيقاع مئات الأبرياء الفلسطينيين يومياً، وأيضاً إطالة أمد الحرب على أمل منه أن يُبعِد عن شفتيه كأساً مُرّةً سيتجرّعها غداة إعلان وضع الحرب أوزارها… الى ذلك هو يطمح لأن يكون أحد «أنبياء إسرائيل» الجُدُد، على أمل أن يلتف حوله مؤيدوه، بمن فيهم نسبة من المعارضين الصهاينة الذين يزدادون انتعاشاً كلّما ارتفع منسوب نهر الدماء في غزة.