IMLebanon

الإستعصاء اللبناني من “اتفاق القاهرة” الى حرب غزة

 

بات من العبث استمرار كل الاطراف اللبنانية والخارجية الشقيقة والصديقة، في اللعب على الوقت الضائع بانتظار نتائج الحروب الصغيرة والكبيرة الدائرة في منطقة الشرق الاوسط، والتي يحاول البعض في الداخل والخارج فصلها عمّا يجري في لبنان مِن استعصاء في انتخاب رئيس للجمهورية وفي تهدئة جبهة الجنوب وفي معالجة الازمات اللبنانية المتوالدة والمعلّقة منذ عشرات السنين.

يتصرف البعض وكأنّ لبنان يعيش في كوكب آخر ولا يقبع على حدود فلسطين المحتلة ويعاني الاعتداءات الاسرائيلية على قُراه الحدودية الجنوبية منذ العام 1936 اكثر من غيره من دول جوار فلسطين، نتيجة الاطماع الاسرائيلية في مياهه وخيرات ارضه، إذ انّ عين العدو الاسرائيلي على مياه نهر الليطاني قائمة منذ زمن بعيد، وسبق وعرض بوسائل مختلفة بالسلم وفي الحرب، تَقاسم مياه هذا النهر مع لبنان، كما سبق وسرقَ مياه الوزاني في القطاع الشرقي سنوات طويلة، قبل ان يتمكن لبنان من تحريرها من «شفط» الاسرائيلي لها. عدا عن انّ عينه على ثلوج الجزء اللبناني من جبل الشيخ وعلى مزارع شبعا وتلال كفر شوبا المليئة بالخيرات والمياه.

لذلك، بات من الصعب فصل اي ازمة سياسية كبرى في لبنان عن اي ازمة كبرى في الاقليم، فاستقرار لبنان سياسياً واقتصادياً مرتبط تاريخياً باستقرار الاقليم، وقد أسهَمت قوى كبرى في جرّ لبنان الى آتون صراعات الاقليم بعد حرب الايام الستة في حزيران عام 1967 وما بعدها، عبر فرض «اتفاق القاهرة» عليه واستجلاب المقاتلين الفلسطينيين الى اراضيه من الاردن والضفة الغربية ومن مصر وغيرها من دول عربية، بحيث تحوّل فوراً الى جبهة مواجهة دائمة مع العدو الاسرائيلي.

 

اما الآن، ومع هذه الحروب الدائرة في المنطقة، تحوّلت مساعي التهدئة وإيجاد الحلول للأزمات في لبنان الى مهمة شبه مستحيلة، فقد تم إدخاله بقرار خارجي واعٍ في مطاحن عسكرية خطيرة، منذ أن سمح الخارج لكل إرهابيي العالم بالانتقال اليه من سوريا وغيرها، من العام 2007 وحتى الامس القريب، وخاض لبنان معهم حروباً دموية من مخيم نهر البارد الى جرود البقاع الشمالي والشرقي. وكان يُفترض بالخارج ان يُدرك انّ الحرب على غزة لا بد ان تنتقل الى دول اخرى في الاقليم وبخاصة الى لبنان، قبل ان يسعى الى تدارك ما يحصل الآن من دون جدوى.

 

وإذا كان بعض الداخل والخارج يُحمّل «حزب الله» مسؤولية بدء المواجهات في جبهة الجنوب، فقد كان أولى به ان يتحسّب الى انّ ترك الفلسطينيين في القطاع للمصير الاسود والتغاضي عن مجازر اسرائيل فيه لن تمر بصمت، وان في الامة شعوباً وجهات سياسية وزانة لا تحتمل استمرار التفلّت الاسرائيلي بغطاء دولي من عواقب العدوان التدميري. وقد سبق وتحركت الامة العربية من محيطها الى خليجها وفي دول العالم أكثر من مرة بسبب ارتكابات اسرائيلية اقل خطورة وهمجية مما يجري الآن، كمثل ما حصل عند «انتفاضة الاقصى» الاولى في الضفة الغربية حينما دنّس ارييل شارون المسجد فانتفضت الضفة ومعها كل الامة العربية مسؤولين وشعوباً.

هذا الواقع يفترض ان يدفع المشتغلين على حل الازمات اللبنانية الى ايجاد مقاربات اخرى اكثر فعالية واكثر قابلية على التنفيذ، بدءاً بمعالجة اسباب التوتر الاقليمي نتيجة ارتكابات اسرائيل، مروراً بمنع اي سبب للتوتر الامني والسياسي في لبنان، كدفعِ جهات معينة الى خلق بؤر امنية او إشكالات وتوترات سياسية هنا وهناك تؤثر على الوضع اللبناني ككل، وصولاً الى ممارسة الضغوط الجدية العملية على اسرائيل لوقف عدوانها على الفلسطينيين والقائم منذ ما قبل عملية «طوفان الاقصى» بسنوات طويلة، والذي ينعكس توتراً اقليمياً على اكثر من دولة.

 

وثمّة من يعتقد انه على الغرب أيضاً، بما فيه الولايات المتحدة الاميركية ودول اوروبا الاساسية، معالجة كل اسباب التوتر والمواجهات الدولية التي تنعكس على الشرق الاوسط، كالصراع مع روسيا والحرب في اوكرانيا ومع الصين ودول اخرى، لأن هذا التوتر قسّم العالم الى فريقين مع وضد، وكل فريق يجد في الشرق الاوسط وفي المنطقة العربية بشكل خاص، ساحة مناسبة للمواجهة بكل اشكالها، والدليل المواجهة الغربية – الروسية القائمة في سوريا قبل اوكرانيا، واختلاف المواقف والاجراءات من الحرب في غزة وبالتالي مما يجري في لبنان.

 

لهذا ليس غريباً ان تبقى ازمات لبنان بلا حلول، نظراً للتدخل الخارجي في كل كبيرة وصغيرة فيه، تبعاً لمسار الصراعات الاقليمية ولمصالح الدول المعنية. وعبثاً يسعى السّاعون العرب والاجانب لحل الازمات المترابطة عضوياً، ولو ان بعض الازمات هي من صنع ايادي اللبنانيين وحلها بيدهم كالأزمة المالية – الاقتصادية – المعيشية، التي كان يُفترض معالجتها عبر برنامج الاصلاحات البنيوية والتي أهملتها الحكومات المتعاقبة وتساهَل معها المجلس النيابي، ولم تضغط الدول والمنظمات المالية المعنية بالوضع الاقتصادي كفاية لفرض تحقيق هذه الاصلاحات، وكأنها تغضّ النظر لأسباب سياسية ليغرق لبنان اكثر في ازماته وتُفرض عليه الشروط السياسية الخارجية، والمثال انّ مَنع استجرار الكهرباء من الاردن والغاز من مصر ما زال قائماً وعبّر عنه الموفد الاميركي آموس هوكشتاين بوضوح خلال زيارته الاخيرة للبنان، عندما ربط حل ازمة استجرار الكهرباء «بتحقيق الاستقرار عبر وقف المواجهات في الجنوب».