مضحكٌ حديث بعض الأوساط السياسية اللبنانية عن الخلافات بين أعضاء لجنة الدول الخمس المعنية بإنهاء الفراغ الرئاسي، كأنّ العلاقة بين الفرقاء اللبنانيين وزعمائهم «صافي يا لبن». والمبكي هو أن يُستنتَجَ من حديث الخلافات بين الدول الخمس وتقسيم أعضائها إلى محاور ومعسكرات، بأن هذه الدول هي التي تسبّب استمرار الشغور في الرئاسة الأولى منذ 31 تشرين الأول 2022.
باسم محاولة هذه الأوساط، أن تثبت لنا سعة أفقها، وأنّ قراءتها تفيد بأنّ أزمة الرئاسة خارجية، تأخذ اللبنانيين إلى غياهب الوضع الإقليمي المعقّد. على صحّة ذلك، تعفي هذه الأوساط نفسها من المسؤولية عن التسوية الداخلية التي تتيح النزول إلى البرلمان من أجل الاقتراع لرئيس، ويصبح الحق على أميركا وفرنسا والسعودية ومصر وقطر…
أمام الاستعصاء اللبناني على التسوية، لإنجاز الاستحقاق، وبعدما استُنفدت الحجج والذرائع المحلية الكبيرة والصغيرة، لتأخير انتخاب الرئيس، يوحي التوقف عند حصيلة تحرك الخُماسية، وما يمكن أن تنتجه بعد أن تستكمل جولاتها إثر الأعياد بالآتي:
– سعي الخُماسية إلى وضع «خريطة طريق» للاستحقاق الرئاسي، هو تكرار للتمرين الفكري على هذه الخريطة في مساعٍ بذلت منذ ما قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون قبل سنة ونصف السنة. ألم يجرِ الحديث عن «الخريطة» من قبل باتريك دوريل مستشار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي كلّفه بمتابعة الملف اللبناني؟ وإذا كان صحيحاً أنّ النسخة الفرنسية لهذه الخريطة تغيّرت خطوطها نتيجة فشل خياراتها (سلة تفاهمات تشمل سليمان فرنجية ونواف سلام)، جرّاء تصحيح سعودي أميركي لخطوطها، بالاستناد إلى البيان الثلاثي الأميركي الفرنسي السعودي الشهير صيف 2022 في نيويورك، ألم تتم ترجمة التعديلات عليها بعد تعيين لودريان موفداً رئاسياً، فدعا للانتقال إلى الخيار الثالث؟ شمل ذلك تفاهماً على «تشاور» بين الكتل النيابية، يعقبه عقد جلسة نيابية مفتوحة، بدورات اقتراع متتالية. ثم ألم يرسم الجانب القطري خريطة عندما جسّ النبض في لقاءاته غير المعلنة؟
– الخريطة المنقّحة التي تسعى اللجنة لأجلها، كرّست، حسب أوساط دبلوماسية، مبدأ الخيار الثالث الذي توصّل إليه لودريان، وكذلك مبدأ «التشاور» بين الكتل بدل عبارة الحوار، وأنّ الأزمة ليست أزمة نظام أو دستورية بل سياسية. كما أكدت تلاقيها مع مبادرة كتلة «الاعتدال». ومجرّد تحرّكها الجديد للحصول على «التزامات» من الفرقاء «مؤشر إيجابي على أنّ فرنسا لم تعد وحدها المهتمة بل بات هناك انخراط أميركي وسعودي». لكنّ التعهد بتأمين النصاب لم يُحسم نهائياً.
– بتحرّكها حرصت على استماع الخمس لا فرادى، إلى رأي المرجعيات المسيحية المعنية الأولى بالمنصب الذي يمثلها في السلطة والتي تعتبر أنّ هناك انتقاصاً من دور الطائفة في التركيبة. لذلك كان موقف البطريرك بشارة الراعي عالي السقف في التشديد على تطبيق أحكام الدستور.
– التحرك الجماعي يحول دون تفرّد أي دولة من جهة، ويؤمّن حضوراً إزاء إمكان انفراد إيران بالوضع الداخلي من جهة ثانية. فالأخيرة أبدت اهتماماً بحظوظ مرشح «حزب الله» سليمان فرنجية في بعض اللقاءات، وتردد أن اتصالاتها السرية مع أميركا تناولت وستتناول لبنان.
– السفيرة الأميركية ليزا جونسون دعت قيادات مسيحية إلى إبداء «الليونة» مقابل ليونة رئيس البرلمان نبيه بري. إلا أنها (وكذلك أي من زملائها) لم توضح المقصود بـ»الليونة». رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع اكتفى بالقول إنه «يعرف مناورات» بري.
– إنّ ترحيل الخُماسية اجتماعها مع قيادة «حزب الله»، حيث تصبح رباعية بغياب جونسون عنه، إلى ما بعد الأعياد، يعني أنها تنتظر التطورات الإقليمية المتعلقة بالهدنة في غزة، كي تحصل من «الحزب» على أجوبته و»الالتزام» الذي تسعى إليه بعقد الجلسات… هذا على الرغم من أن الدول الخمس نصحت بفصل لبنان عن غزة، لكن العين ستكون في هذه الحال على الحضور السعودي مع قيادة «الحزب».