في القسم الأوّل الذي نشرناه، أمس، بيّنا كيف أنّ البطولات التي قام بها أبطال «طوفان الأقصى» في 7 أكتوبر من عام 2023، أثارت الحيرة لدى الكثيرين، لما مثّلته تلك البطولات من أعمال كثيرة الاعجاب بالفعل…
كما أشرنا الى ان عملية بنيامين نتانياهو في اجتياح قطاع غزّة، باءت بالفشل الذريع… إذ يتساءل الكثيرون: أين هم المخطوفون بعد ستة أشهر بالتمام والكمال..
كلّ الدلائل تشير الى فشل نتانياهو الذريع… والدليل أنه لم يتمكن من القضاء على «حماس» أو الحدّ من خطورتها، وهو لم يستطع إنقاذ أيّ من الرهائن…
في القسم الثاني نتابع «قصة أبطال طوفان الأقصى» فنقول: إنّ ما تفتخر به إسرائيل وتزعم انه انتصار ما هو إلاّ وهم… فرغم ما تبديه إسرائيل ظاهرياً ويشير كذباً الى ان إسرائيل مرتاحة «على وضعها» في غزّة هو سراب ووهم قاتل… من هنا، وبعد مرور ستة أشهر على الحرب، سرد نتانياهو ما اعتبرها «إنجازات كبيرة» حققتها إسرائيل، بما في ذلك تفكيك 19 كتيبة من أصل 24 كتيبة تابعة لـ«حماس»، بما في ذلك كبار القادة. وكرّر مزاعمه عن تطهير تجمعات المقاومة في مستشفى الشفاء ومراكز القيادة الأخرى. وقال: «نحن على بعد خطوة من النصر، لكن الحصيلة التي تلقيناها كانت مؤلمة وتوجع القلب».
هذا ما أعلنه «المأزوم» نتانياهو… وما قاله تبريراً لعملية الانسحابات هذه… لكن الحقيقة ليست في ما يقوله «النتن» وما يصرّح به…، كما انها ليست انعكاساً لما يحدث فوق غزّة ظاهرياً، وإنما ما يجري «تحت غزّة» أي على أرض الواقع هو شيء آخر، يعكس حقيقة ما يحدث من انسحابات،في القطاع الباسل الذي تبيّـن انه وبرغم مرور حوالى الأشهر الستة على اجتياحه من قبل قوات الكيان الاسرائيلي، ظلّ صامداً قوياً متيناً، لم يصب مقاوميه الفتور أو الملل أو الوهن أو الضعف. فالمقاومة الفلسطينية لا تزال أقوى مما يعتقد نتانياهو، وأركان تحالفه اليميني المتطرّف. لكنني أعتقد ان هذه الانسحابات جاءت للأسباب التالية:
أولاً: إنّ تقليص أعداد القوات الاسرائيلية في غزّة الى لواء واحد، يعود الى الخسائر الكبيرة غير المعلنة التي تكبدها جيش إسرائيل وقواته… ونتانياهو غير قادر على التصريح بهذه الأعداد، حفاظاً على ما تبقى من هيبته وكرامته التي أُهدرت فوق تراب غزّة المجاهدة.
ثانياً: فشل نتانياهو طيلة هذه الأشهر الستة في تحقيق أي من تعهداته في بداية الاجتياح… فلا هو تمكّن من القضاء على «حماس»… ولا هو اعتقل أو قتل قادتها… ولا هو أرغمهم على الاستسلام، كما انه لم يحقق وعده في تحرير أيّ من الرهائن الذي تحتفظ بهم الحركة… والذين «قضى» بعضهم بسبب هجوم نتانياهو، ولا يزال الآخرون في عهدة المقاومة الفلسطينية الباسلة، وقد فشل نتانياهو -ومن معه- في الوصول إليهم.
ثالثاً: يبدو أنّ هدف إسرائيل بالقضاء على «حماس» بعيد المنال. فالاحتلال يتحدّث دوماً عن تفكيك كتائب حماس وليس تدميرها أو قتل أعضائها. وكلمة تفكيك، مصطلح فضفاض للغاية. خصوصاً مع حركة مقاتلة مثل «حماس» التي هي ليست جيشاً رسمياً إذ تستطيع الحركة إعادة بناء ودمج الكتائب التي تصفها إسرائيل بـ»المفككة».
رابعاً: يزعم نتانياهو ان قواته قتلت نحو 12 ألف مقاتل حسب ما صرّح به رئيس وزراء العدو للكاتب المتخصص في الحركات الاسلامية سيمون سبيكمان كوردال.
لكن ليس هناك أدلة على صحة هذا الرقم. ففي المقابل قدّر مصدر غزاوي مطّلع في حديث مع «عربي بوست» عدد شهداء «حماس» والمقاومة الفلسطينية قبل نحو أسبوعين بخمسة آلاف، في حين يعرف الجميع ان «حماس» وحدها تملك أربعين ألف مقاتل إضافة الى آلاف من مقاتلي الفصائل الأخرى.
خامساً: ما يؤكد كذب ادعاءات نتانياهو وأركان حربه، انه وبعد وقت قصير من انسحاب الفرقة 98 من خان يونس أقدمت المقاومة الفلسطينية بقصف غلاف غزّة بصواريخ متطوّرة جداً.
سادساً: ليست المقاومة الفلسطينية وحدها… هي التي تكذّب نتانياهو… وها هي صحيفة «يديعوت أحرونوت» الاسرائيلية تقول: «إنّ حماس تحافظ على قواتها لليوم التالي للحرب، فحماس لا تزال قادرة على شن هجمات انتقائية ضد جنود الاحتلال، وهي قادرة على إلحاق الأذى الكبير بالجيش الاسرائيلي.
سابعاً: قد يكون سحب القوات الاسرائيلية من غزّة، محاولة لإرضاء جو بايدن الذي دعا الى التخفيف من وتيرة الحرب. ولكن نتانياهو غير مهتم إلاّ بالوسائل التي قد تنقذه من السجن بعد محاكمته على إخفاق 7 تشرين الأول (أكتوبر).
ثامناً: وأعتقد ان هناك دوافع أخرى دفعت نتانياهو للقيام بهذه الخطة، وهي التقليل من كلفة هذه الحرب على الجيش والاقتصاد الاسرائيلي وعودة بعض جنود الاحتياط الى أعمالهم التي تركوها فهدّت الاقتصاد الاسرائيلي، لأنّ جنود الاحتياط يشكّلون العمود الفقري للعمال الاسرائيليين في الزراعة والصناعة.