لا أحد يذهب إلى حرب إن لم يكن لديه رهان على النصر. ومن طبائع الأمور أن يرى السيد حسن نصرالله «محور المقاومة ذاهباً إلى نصر تاريخي وكبير». لكن ما تراه أكثرية اللبنانيين هو أن حرب «المشاغلة» عبر الجبهة الجنوبية ليست حرب لبنان بل حرب «حزب الله» وبالتالي إيران، لإسناد «حماس» في حرب غزة. ومن الصعب إقناع اللبنانيين الرافضين توريط البلد المنهك في حرب مدمّرة تبدو حال غزة بروفة لها، بأن هذه الحرب هي لحماية لبنان. والأصعب هو إقناعهم بأن «إنجازات النصر أمنياً وبرياً وبحرياً وسيادياً ستعود بركاتها على كل لبنان وكل الشعب اللبناني».
والخطير أنّ من انفرد بقرار الحرب المضبوطة ضد الموقف الرافض والمعلن للأكثرية اللبنانية يرحّب بالحرب المفتوحة. لا بل يبدو غير معنيّ بالإقناع ولا في حاجة إلى دعم الأكثرية، مع الإصرار على أن «الجبهة في لبنان مستمرّة ومرتبطة بغزة»، وسط «التضامن القوي في بيئة المقاومة». أما المفاخرة بأن «العلاقة مع إيران والتحالف معها هما عنوان الشرف والفخر والكرامة الإنسانية في هذا الزمن»، فإنها من علامات الأزمنة على ما وصلت إليه الحال والمفاهيم في لبنان، كما لو أن الدنيا تغيّرت.
ذلك أننا في مرحلة حمّالة أوجه إلى حد اختلاط البداية والنهاية. بداية العودة إلى الأصول في لبنان، ونهاية تلك الأصول لفرض معايير مختلفة عن هوية البلد وجوهره. فالمخاطر مخيفة على روح العيش المشترك الذي هو أساس «الوطن-الرسالة». والتحديات كبيرة تجاه الحرية من جانب المرتبطين بأنظمة ومفاهيم شمولية. والدولة التي هي الضمان والإطار الوحيد للعيش المشترك والحرية مخطوفة وسط الرافضين إطلاقها والعاجزين عن إطلاقها والرابحين من بقائها مخطوفة. لا ما يسمى السلم الأهلي سلم فعلي. ولا الحرب من خارج المؤسسات والقرار الوطني سوى حرب ضد شركاء في الوطن، وإن أخذت طابع حرب على عدو. وسواء بقيت الحرب عبر الجبهة الجنوبية مضبوطة أو صارت مفتوحة، فإنها تبقى نوعاً من الحروب اللامتماثلة. وليس في الحروب اللامتماثلة مفهوم واحد للنصر والهزيمة، بصرف النظر عن التمييز بين ما هو تكتيكي من نصر وهزيمة وما هو استراتيجي من نصر وهزيمة. ولا في الصراعات، حتى الإيديولوجية منها فلسفية كانت أم دينية، مادية أم مثالية، ما يؤكد صحة «الحتمية التاريخية».
«حماس» في غزة المدمرة تتصرّف على أساس أنها منتصرة. وإسرائيل التي صدمها «طوفان الأقصى» وكشف قابليتها للعطب، ودفعت ولا تزال ثمناً باهظاً في حرب غزة من دون تحقيق أهدافها المرسومة توحي بأنها منتصرة. فلا حساب للخاسر بل للبقاء. ولا قدرة على التوظيف السياسي للربح الجزئي. والمقاومة الإسلامية في لبنان هي عنصر في لعبة أكبر حتى من «محور المقاومة». لكن المؤكد أن الخسائر على لبنان، والأرباح لمن يدير اللعبة من طهران. النصر والهزيمة؟ نحن في حاجة إلى التعلم من كونفوشيوس القائل: «يجب أن نعيد المعنى إلى الكلمات».