Site icon IMLebanon

بايدن – نتنياهو – طهران: معارك كسب الوقت

 

على مسرح الشرق الأوسط، تدور في هذه الأيام فصولٌ من مسرحيةٍ غامضة، فيها الأبطال يخبّئون أهدافهم الحقيقية، ويعمدون إلى إلهاء الجمهور بمسائل هامشية، تمريراً للوقت أو كسباً له.

من السذاجة أن يبقى بعض الفلسطينيين والعرب حائرين، و«يتحزَّرون»: ماذا يريد نتنياهو في غزة، وهل سيوافق على وقف الحرب هناك أم لا؟ وهل سيسمح له وضعه الداخلي أو حليفه الأميركي بمتابعة الحرب هناك؟

فهدف القوى السياسية كلها في إسرائيل تصفية القضية الفلسطينية، وإقامة الدولة اليهودية التي لا شيء ولا أحد يهددها من الداخل (ديموغرافياً خصوصاً) أو من الخارج. والأميركيون لن يتواجهوا مع إسرائيل من أجل الفلسطينيين.

الإسرائيليون يجدون اليوم فرصة لـ«تحويل غزة إلى ضفة غربية أخرى» كما كشف نتنياهو نفسه. ولكن، ما لا يقوله الرجل هو أنّ الإسرائيليين لا يرضيهم حتى وضع الضفة، وأنهم يخططون لإنهاء كل أشكال الحضور الفلسطيني شبه المستقل في الضفة والقطاع معاً. وتهجيرُ أعداد كبيرة من الفلسطينيين إلى مصر والأردن وسائر دول الشتات هو مشروع إسرائيلي قيد التنفيذ.

نتنياهو يُصارع الوقت لتحقيق الهدف. وهو اليوم يناور في الهامش الضيق الذي يسمح به الظرف إقليمياً ودولياً. وللتذكير، إسرائيل حالياً تحظى بأفضل معادلة دولية وإقليمية: الأميركيون والأوروبيون يقدمون إليها أعلى مستويات الدعم، والعرب مُربكون، والروس لا يتدخلون، بل يستفيدون من فتح الجبهة في الشرق الأوسط للتخفيف من الضغط الذي يواجهونه في أوكرانيا.
ولذلك، قد يناور نتنياهو في المسائل التفصيلية كقضية إطلاق الرهائن، لكنه لن يوقف اجتياح رفح وتهجير سكانها واستكمال السيطرة على غزة، في الفترة الفاصلة بين انتهاء ولاية جو بايدن وبداية ولاية دونالد ترامب، إذا ما تمكّن من الفوز بالرئاسة.

وفي الخضمّ، يحاول نتنياهو توريط واشنطن في ضرب إيران، بذريعتين: تنامي قدراتها النووية مُتحديةً اتفاق فيينا 2015، وتمدد أذرعها حتى الحدود مع إسرائيل وشواطئ المتوسط.
لكنّ بايدن لا يبدو مستعداً على الإطلاق للانزلاق إلى هذا الوضع الخطر مع طهران. وعلى العكس، هو يواصل اتّباع سياسة كسب الوقت، بأقنية الحوار المفتوحة معها بعيداً من الأضواء في بعض عواصم الخليج، والمفتوحة مع «حزب الله» من خلال موفده عاموس هوكشتاين.

كلّ ما يريده الأميركيون من إيران حالياً هو تعبئة الوقت معها بالاتصالات السياسية لئلّا تزداد انخراطاً إلى جانب المحور الشرقي. ويُقال أيضاً إنهم يراهنون على تَضعضع النظام هناك، بحُكم عامل الوقت، إذا اضطر المرشد إلى إخلاء الموقع بسبب تقدمه في السن، وهو البالغ 85 عاماً.

وفي الأشهر الستة الأخيرة من الولاية، تسعى إدارة بايدن إلى تسويق طرحٍ جديد يقضي بالاتفاق على ترتيبات تفصيلية صغيرة مع إيران، عوضاً عن الاتفاق الكامل، وفق نموذج عملية تبادل السجناء والرهائن التي جرت قبل أشهر، وتم خلالها الإفراج عن أرصدة إيرانية محتجزة في كوريا الجنوبية، مقدارها 6 مليارات دولار. وأطلقت على هذه الاستراتيجية تسمية «الأقل مقابل الأقل».

هذا المقدار من الليونة يُرضي إيران الساعية أيضاً إلى إمرار الوقت بالحد الأدنى من المواجهة مع الولايات المتحدة. فما تريده ليس المواجهة المباشرة والمنهِكة مع الأميركيين، بل استثمار «الهدنة» لتحقيق الهدفين الأساسيين: استكمال بناء القدرات النووية وتكريس النفوذ في العديد من دول الشرق الأوسط. واللافت أنّ أقنية الاتصال المباشرة وغير المباشرة التي تقيمها واشنطن مع الإيرانيين لا تثير اعتراض موسكو أو بكين اللتين تدركان تماماً أبعاد هذا الاتصال وما يمكن أن يترتّب عليه من نتائج.

بل إن طهران أعطت الضوء الأخضر لحليفها الإقليمي الأبرز، «حزب الله»، ومعه الرئيس نبيه بري، ليقيم أوثق اتصال مع هوكشتاين حول الجنوب. وتحت مجهر طهران، نجح هذا الاتصال قبل عامين في إنتاج اتفاق تاريخي لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل وتقاسم مخزونات الغاز الطبيعي في تلك البقعة.

في الغرب يقال إن طهران باتت على مسافة «أشهر قليلة» من القدرة على امتلاك القنبلة النووية. ومن الطريف أن هذه العبارة تتردد منذ سنوات عدة، ميكانيكياً، وكأن «الأشهر القليلة» لم تأتِ بعد ولن تأتي!

الأميركيون صامتون ضمناً على ما يجري. وفي المقابل، طهران، عندما قررت الرَد على إسرائيل بالصواريخ والمسيرات، أبلغتها بالموعد لكي تتخذ الاحتياطات اللازمة فلا تقع أضرار كارثية قد تستدعي فتح حرب واسعة.

في هذه المعمعة التي يتبادل فيها الأميركيون والإسرائيليون والإيرانيون مناوراتهم لكسب الوقت، يبدو أن الفلسطينيين هم وحدهم سيخسرون الوقت، لأن لا أفق لمعركتهم في غزة. ولا مجال لإصلاح ما أدّت إليه الحرب هناك من كوارث عليهم وعلى قضيتهم.