عندما فوجئت إسرائيل بالعملية التي نفّذتها «حماس» على حدودها، وأدّت إلى مقتل وحجز مئات المواطنين الإسرائيليين، عسكريين ومدنيين؛ بدا واضحاً أنّ الحرب بين «حماس» وإسرائيل، ستأخذ طابع الشمولية والوجودي على الأقل بالنسبة لإسرائيل، وحتّى لو اعتبرتها «حماس» مرحلية، فالحرب الشاملة هي التي يكون فيها الفرقاء، أو أحدهم على الأقل، ينوي خوضها مباشرةً حتى النهاية؛ أي بالمعنى الدارج «يا قاتل يا مقتول». ظهر ذلك في اليوم التالي من اندلاع حرب غزة، عندما أعلنت الحكومة الإسرائيلية، بأن هذه الحرب لن تنتهي قبل تحقيق هدفين: الأول استعادة الرهائن أحياءً أو أموات، والثاني القضاء على منظمة «حماس» حتى لا تتكرر هكذا عمليات في المستقبل واعتبروها حرباً وجودية.
بالمقابل، حاولت «حماس» منذ بدء هجومها في السابع من تشرين الأول، اعتبار هذه الحرب محطةً مرحلية في صراعٍ طويل؛ لأنها أمام عدوٍّ، لا يمكن، إن لم نقل يستحيل عليها هزمه خلال أشهرٍ وحتى سنوات؛ خاصةً بإمكانياتها العسكرية الموسمية والمحدودة، وعزلتها العربية والدولية، وافتقارها إلى صفةٍ دولتية، واعتبارها، من بعض القوى الدولية المؤثِّرة بالصراع، منظمة إرهابية. ما دفع بحماس إلى اعتماد حلول «الخطوة خطوة» بالهدن المتقطعة لكسبِ الوقت.
الهدنة التي حصلت سابقاً، وقد تحصلُ هُدَنٌ أخرى موقتة أو لا؛ كل ذلك لتخفيف الضغط على قيادات الفريقين المتحاربين، لامتصاص الضغوط الشعبية والدولية وفضح الفريق الآخر؛ لكن الوصول إلى هدنة دائمة بينهما قبل تحقيق أهدافهما، قد يكون أمراً مستحيلاً لسببين:
الأول إسرائيلي؛ إذ إنّ إنهاء الحرب في غزة قبل استعادة الرهائن وعظام المتوفين منهم، وبالتالي القضاء على «حماس»، يعني ذلك إلحاق هزيمةٍ، ليس برئيس الحكومة الإسرائيلية فقط، إنما بالقيادة الإسرائيلية ككل؛ الأمر الذي يستحيل على القيادة الحالية القبول به مهما طالت الحرب. الثاني حمساوي، فالمنظمة التي تمسك بورقة وحيدة مفيدة للتفاوض اسمها الرهائن لتحقيق إنجازٍ ما، أصبح هدفها الحصول من هذه الحرب على بوليسة حياة، تؤمن لها مقعداً دائماً في هذا الصراع الطويل. وهكذا يمكن القول إنّ حلمَ أيّ فريق هو كابوسٌ للآخر.
الأوراق التي تمتلكها إسرائيل عديدة؛ تبدأ بقوة عسكرية بلا حدود، دعمٍ سياسي دولي و»قبة باط» عربية بسبب سياسة حماس الإقليمية. بينما لا تملك «حماس» أوراقاً للضغط سوى الرهائن، لأنّ حليفها الأساسي في طهران، أنكرها قبل «صياح الديك».
بالخلاصة، إسرائيل لا تقبل بأقل من الرهائن أحياءً أو أموات، مدعومة بالولايات المتحدة الأميركية والمملكة البريطانية كما صرّحتا أخيراً؛ و»حماس» لا تقبل بالمفاوضة بهؤلاء دفعة واحدة، أو قبل أن تحقق بعض المكتسبات، سواء فوق غزة أو ما بعد غزة. لذلك فالهُدن المتقطعة قد تخفف بعضاً من الضغوط على الفريقين، لكنها لا تحل المسألة الأساسية في هذه الحرب الشمولية والوجودية لكلا الطرفين، والتي قد لا تنتهي إلّا بغالبٍ ومغلوب، لأنها تفتقر إلى صفة الحرب الدولتية، التي تنتهي غالباً بتسويات.
(*) عضو الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية»