لا يهتم بنيامين نتنياهو إطلاقاً لمصير الرهائن. لكنه، من أجل تنفيس النقمة الشعبية، قد يوافق على صفقة تبادل كبيرة، شرط ألّا تقف حجر عثرة أمام مشروعه الرامي إلى اقتحام رفح. فالرجل يريد ضمان العودة إلى القتال في أي لحظة. وهذا هو الأمر الذي تتجنّب «حماس» الوقوع فيه.
تُدرك «حماس» أن قتالها في غزة يرتدي طابع «الحياة أو الموت». فالإسرائيليون لن يوقفوا الحرب هناك قبل تحقيق هدفين، أحدهما معلن وهو القضاء على هذه الحركة، والآخر غير معلن وهو الإمعان في هدم مدن القطاع، وتعطيل الحياة فيها، ما يجعلها غير صالحة للعيش، فيتم تهجير قسم كبير من الأهالي إلى الخارج.
الخيار الذي اعتمدته «حماس» هو القتال، على رغم إداركها صعوبة وضعها. وطبعاً، لإيران ومصالحها دور في هذا القرار. ولذلك، ما زالت الحركة ترفض دعوات السلطة الفلسطينية وحركة «فتح» للتخلي عن القتال وفتح باب التسوية السياسية، تجنّباً للمزيد من المجازر بحق الفلسطينيين، وبلا أي أفق.
العنوان الذي ترفعه «حماس» هو أن أسلوب المواجهة العسكرية وحده سيُجبر إسرائيل على الاعتراف بالشعب الفلسطيني والجلوس معه إلى طاولة التفاوض. وأما إلقاء السلاح فسيزيد إسرائيل غطرسة، ويعيد القطاع إلى ما كان عليه قبل 7 تشرين الأول 2023، حيث المستوطنون يتمددون بشكل مطّرد ويبتلعون الأرض، فيما السلطة الفلسطينية عاجزة، والقضية الوطنية تذوب يوماً بعد يوم.
إذاً، الإسرائيليون و»حماس» على السواء يلتقون على الحرب الطويلة. وما يفعله نتنياهو اليوم هو الهرب من أي صفقة تبادل للأسرى أو وقف للنار في التوقيت غير المناسب. والوسيلة الفضلى لتحقيق هذه الغاية هي رفع حرارة الميدان بحيث تصبح الكلمة له لا للوسطاء على طاولة المفاوضات.
وفي الأيام الأخيرة، عاد نتنياهو إلى أسلوب الضربات المحرَّمة في أنحاء مختلفة من قطاع غزة، ما أوقعَ مئات الضحايا. وهذا الأسلوب كان قد اعتمده بكثافة في الأشهر الأولى من الحرب، وذهب ضحيته عشرات الآلاف من المدنيين الذين قضوا في المنازل والمستشفيات والمدارس.
وحاول نتنياهو أخيراً إقناع الأميركيين بأن عملية رفح ستتجنّب المدنيين. وبالفعل، تراجعت أعداد الضحايا نسبياً. وبهذا التكتيك، حصل الرجل على ضوء أخضر من واشنطن على العملية، ولو بتحفّظ، لأنه من الصعب اجتياح بقعة ضيقة يقطنها 1.4 مليون شخص، معظمهم في الخيام، من دون إيقاع أعداد من ضحايا في صفوفهم.
المَكر الذي اعتمده نتنياهو قضى بإطلاع الأميركيين على خطط اجتياح رفح، تحت عنوان القضاء على «حماس». وجرى تقسيم المدينة مربّعات يجري اجتياحها على التوالي. ووفق الخطة، سيتكفل اندلاع المعارك في أي مربّع بفرار سكان المربعات الأخرى وإخلائها. وبذلك، يتحقق هدف التهجير ويتقلّص عدد الضحايا.
ففي الخلاصة، لن يفوّت نتنياهو فرصة تاريخية لتنفيذ المخطط المُعَدّ لغزة منذ مدة بعيدة، ولو استغرق ذلك سنوات. وهذا ما يعبّر عنه أركان الفريق المؤيد لنتنياهو، ومنهم الوزير في حكومة الحرب ورئيس الأركان السابق غادي آيزنكوت، الذي كشف أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست أن المواجهة مع «حماس» ستستمر لسنوات طويلة. وهذا يعني أنه من الممكن المرور بصفقة عابرة لتحرير الرهائن، ثم استئناف القتال في أي لحظة، حتى تحقيق الأهداف.
«حماس» من جهتها لا تبدو بعيدة عن خيار القتال لسنوات. فهي إذ أطَلّت مجدداً بعمليات في قلب المنطقة التي اعتبرتها إسرائيل خالية من المقاتلين، إنما أظهرت أنها قادرة على النهوض في أي لحظة من الأنفاق أو من أي مكان آخر، وتسديد الضربات الموجعة، لفترة طويلة.
طبعاً، لا مجال للمقارنة بين قدرات إسرائيل العسكرية وقدرات «حماس». لكن الحركة تستطيع شن حرب عصابات طويلة الأمد ومُتعبة، وسيكون على الإسرائيليين أن يرسموا الخطط العسكرية والسياسية ليتمكنوا من الحسم.
يعني هذا أن غليان غزة سيدوم سنوات، ومعه كامل الشرق الأوسط. واستطراداً، لا سلام للبنان لفترة طويلة جداً… و«السلام على لبنان».