معادلة بالغة الدقة ترتسم على الحدود الجنوبية منذ يوم السبت الماضي، وقد تكون المرة الأولى التي تُطرح فيها احتمالات التوتر الأمني واندلاع مواجهات أو ربما حرب مع العدو الإسرائيلي، وإن كانت المواجهات الأخيرة على جبهة الجنوب، قد حملت مؤشرات على مدى خطورة ودقة المعادلة الحدودية في المرحلة المقبلة، كما على واقع قواعد الإشتباك القائمة. وفي هذا السياق يرى المحلل الإستراتيجي والعميد المتقاعد ناجي ملاعب، أنه عندما “يعتبر العدو الإسرائيلي أنه في حرب فعلية ويستدعى جميع الإحتياط، فهو لا يقيم اعتباراً لأية قواعد اشتباك، وهذا الكلام انتهى مع بدء الحرب ولم تعد هناك من مناطق اشتباك، إذ أنه يعتبر أنه يحق له أن يتقدم وفق مصلحته في أي مكان وفي أي منطقة”.
وفي قراءة للمشهد العسكري والسياسي بعد عملية “طوفان الأقصى”، يشدد المحلل ملاعب على أن “هذه العملية أعادت الإعتبار إلى البندقية الفلسطينية، والتي نامت فترة طويلة بعدما حاولت الأنظمة العربية مصادرتها لصالحه، وبالتالي تقييدها بمعنى أنه لمرة واحدة حصلت المقاومة الفلسطينية على الحق باسترداد الحقوق الفلسطينية عسكرياً عبر اتفاق القاهرة 1968 من جنوب لبنان وهذا الموضوع تطور ولم يؤد الى نتيجة ولكنه حرك القضية الفلسطينية عسكريا،ً ومن بعدها لم نر أية حوادث سوى انتفاضات سلمية في الضفة الغربية، وفي العام 2007 سيطرت حركة حماس على القطاع حاول العدو الإسرائيلي أن يتعامل مع حماس بالنار ممّا ألزم حماس بالدفاع عن شعبها وعن ناسها وعن الحقوق الفلسطينية عبر إنتاج الأسلحة محلياً، وبأن تستفيد من عدم وجود احتلال إسرائيلي لكي تعمل على تصنيع أسلحتها وصواريخها وذخيرتها منفردةً، وبدعم عربي وإسلامي جيّرته لدعم كفاح مسلح يستطيع أن يقوم بما قام به”.
وحول توصيفه لهذه العملية، يؤكد ملاعب أنها “نصر مؤكد، لأنها حققت هذا العائد القوي من الأسرى من مستوى جنود وضباط واحتلال ثكنات عسكرية والتوغل لمسافة 40 كيلومتراً خارج حدود غزة في المناطق المحتلة وكادت أن توصل غزة بالضفة الغربية لو كان في وسعها القيام بذلك”. ولكنه يستدرك مشيراً إلى أن “الإعلام الإسرائيلي يحاول لأول مرة، اتّباع أسلوب لم يكن متّبعاً في السابق إذ كانت إسرائيل تتبع التعمية الإعلامية على خسائرها، ولا تعلنها حتى أن من يذيع هذه الخسائر يتعرض للملاحقة، وقد أنشأت غرفة عمليات إعلامية في وزارة دفاعها للتعاطي مع الإعلاميين ضمن قيود، بالنسبة لما يستطيعون نشره”.
وعن احتمال العملية البرية في غزة، يقول ملاعب إنه “لم يكف إسرائيل الإحتياط الإستراتيجي الأميركي من الأسلحة والذخائر التي استُحضرت بعد انتهاء حرب العراق من الأردن إلى إسرائيل، بل أحضرت اميركا أسطولها السادس إلى شرق المتوسط أي 40 قطعة وحاملة طائرات لتمكين إسرائيل من أعمالها الإنتقامية بمعزل عن أي ردٍ محتمل من خارج غزة، لذلك لا أعتقد أن أي رد من خارج غزة هو في مجال البحث به الآن، ولكن ذلك يكون وفق تطورات الوضع في غزة”.
وهنا، يستحضر ملاعب كلاماً للأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله، بعد عملية الجهاد الإسلامي في كانون الثاني الماضي، بأنه “إذا ما طلبت منا المقاومة الإسلامية في غزة التدخل، ندرس هذا الأمر ونقوم بما يلزم، يعني أن هذا مرتبط بمدى استعداد المقاومة الإسلامية في حماس على التعامل مع الهجمة الصاروخية والمدفعية والجوية الإسرائيلية، أو حتى الدخول البري إلى غزة، وبالتالي هذا الموضوع عرضة لما يمكن أن يكون فيه التدخل من هذا الإتجاه”.
وهنا يسأل ملاعب: “هل تقف الولايات المتحدة الأميركية على الحياد وتسمح لقوة مدربة وتمتلك صواريخ دقيقة وطويلة المدى وفرقة الرضوان، وليست معزولة ولديها ظهير هو محور قوي، بأن تتدخل من دون أن تتدخل أميركا بدورها”؟ ويعرب عن اعتقاده بأن “حضور الأسطول السادس إلى شواطىء المتوسط هو لمنع أي تدخل لوقف العملية الإسرائيلية”.