IMLebanon

إسرائيل تهوِّل بـ”جدار الصوت”

 

 

يسرّب رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو أنّ مرحلة الاجتياح الميداني لغزة ستنتهي خلال 10 أيام، لتبدأ مرحلة جديدة عنوانها ملاحقة فلول «حماس» وكشف أماكن اختبائها واحتمائها، بهدف القضاء عليها.

بعض الخبراء العسكريين يستغربون هذه التسريبات. فهم مقتنعون بأنّ «حماس» ما زالت قادرة على خوض القتال المباشر على الجبهات في رفح وكثير من مناطق القطاع، وأنّ من المبكر الإعلان عن بدء الإسرائيليين مرحلة «التطهير»، بالمعنى العسكري. وهذا هو أيضاً رأي عدد من قادة الأمن والسياسة في إسرائيل.

 

ولكن، يبدو أنّ وراء إعلان نتنياهو لانتهاء الحرب دوافع عدة، أبرزها:

 

1- هو يريد الإيحاء بأنّ الحرب في غزة قد حُسمت، ما يقلّص حجم الحملة الداخلية التي تتهمّه بالعجز عن إخضاع «حماس»، على رغم من الأكلاف التي يتكبّدها الإسرائيليون في الحرب المستمرة منذ 9 أشهر.

 

2- هو يريد أن يحمل هذا «الانتصار» إلى واشنطن، في 24 الجاري، ليرفعه أمام الكونغرس، ومنه ينطلق في النقاش مع الذين سيلتقيهم هناك، من موقع القوة والأمر الواقع الجديد.

 

3- هو يريد القول لـ»حزب الله» في لبنان إنّ حرب غزة انتهت. ولذلك، لم تعد هناك ذريعة للمضي في «حرب المساندة» في الجنوب اللبناني. وهذا الهدف أساسي على أجندة نتنياهو الساعي بأي ثمن إلى إقفال جبهة الشمال وإعادة السكان إلى ديارهم قبل انطلاق العام الدراسي الجديد، في أيلول.

 

طبعاً، عندما تعلن إسرائيل انتهاء المرحلة الحالية من الحرب في غزة، على الأرجح قبل 24 تموز، ستسارع «حماس» إلى الردّ عليها بالإنكار، وستعلن استمرار المواجهات الميدانية. وعلى الأرجح، ستصعّد هجماتها وعملياتها في مناطق مختلفة من القطاع، لتبرهن أنّ المقاومة فاعلة على الجبهات، وتحرج نتنياهو في الكونغرس وأمام الرأي العام العالمي. كما أنّ قيام «حماس» بذلك سيمنح «حزب الله» الحجة كي يمضي في حرب المساندة أو المشاغلة في الجنوب.

 

وهذا الإشكال يتوقعه نتنياهو وأركان حكومة الحرب والجيش. ولذلك، هم بدأوا في الأيام الأخيرة اعتماد طريقة تعاطٍ جديدة مع «الحزب» ولبنان قوامها قاعدة «العصا والجزرة».

 

فمنذ أيام، رفعوا مستويات التهويل السياسي والإعلامي، وأرفقوها بعمليات ترهيب جماعية للسكان في الجنوب ومناطق لبنانية عدة، وصولاً حتى الشمال، من خلال التكثيف غير المسبوق لطلعات الطيران الحربي الذي يخرق جدار الصوت، حتى في أوقات متقدّمة من الليل. وهذا الأمر لم يكن معتاداً طوال الأشهر الـ8 الأولى من الحرب. وفي رأي بعض الخبراء أنّ هذا النوع من الترهيب أو التهويل له تأثيراته النفسية على المدنيين. ومن خلاله، ترمي إسرائيل إلى تذكير اللبنانيين وحكومتهم بأهوال الحرب الشاملة التي يمكن أن تقع، وإلى تحذيرهم من مغبة استسهال الانجرار وراء الحرب التي يريد «الحزب» استمرارها ربطاً بحرب غزة. ويُخشى أن يعمد الإسرائيليون إلى تصعيد تهويلهم على لبنان، خلال الأيام المقبلة.

 

ولكن، في المقابل، هناك «الجزرة» التي يسعى موفد بايدن، عاموس هوكشتاين إلى تقديمها مجدداً، بعد التنسيق مع الموفد الفرنسي جان إيف لودريان، في لقائهما المرتقب في باريس. والمشترك بين الرجلين هو أنّ الرئيس في كل من واشنطن وباريس يعيش مأزقاً سياسياً داخلياً حاداً. فالأول تلقّى ضربة قاسية في الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية يوم الأحد الفائت، والثاني تلقّى ضربة قوية في المناظرة التي جمعته والمرشح الجمهوري دونالد ترامب، قبل نحو 4 أشهر من موعد الانتخابات الرئاسية. وهو يعاني صعوبات مستجدة أيضاً من داخل حزبه الديموقراطي.

 

يريد نتنياهو اليوم دفع «حزب الله»، بأي ثمن، إلى اختيار طريق الديبلوماسية لا الحرب، ليتاح له التفرّغ للهدف الأساسي، أي غزة. ويشعر نتنياهو بأنّ الوقت سيخدمه. ففي واشنطن، سيعود حليفه ترامب، وفي أوروبا هناك تحوّل عام نحو اليمين المتطرّف، وفي روسيا هو يقيم علاقة وطيدة مع الرئيس فلاديمير بوتين.

 

وهذا الواقع سيدفع نتنياهو إلى رفع مستوى المواجهة مع إيران في المرحلة المقبلة. وفي لبنان، سيتجلّى ذلك بالضغط على «حزب الله» لكي يوافق على إقامة «المنطقة العازلة» في الجنوب بالطرق الديبلوماسية، تحت طائلة التهديد بفرضها بالقوة، إذا تعذّر ذلك.

 

فهل ستجد إيران مصلحة في التفاهم مع الولايات المتحدة؟ وهل سيجد «الحزب» مصلحة في عقد اتفاق مع إسرائيل، في الأشهر القليلة الباقية من عهد بايدن، برعاية موفده هوكشتاين، وقبل عودة ترامب التي سترفع مستوى التوتر في العلاقات مع الأميركيين؟

 

حتى الآن، ناور «الحزب» بنجاح في الجنوب ومرَّر المخاطر المصيرية، على رغم من الخسائر الفادحة التي تكبّدها. فهل سيبقى واسعاً أمامه هامش المناورة في المرحلة المقبلة؟