إذا كانت حالة القلق موجودة في لبنان نتيجة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، لا سيما في المناطق الجنوبية، مبررة في هذه اللحظات لدى الأوساط الشعبية، إلا أنها ليست كذلك في واقع الأمر خاصة وأن ظروف الحرب الكبرى وفتح الجبهة اللبنانية وغيرها على مصراعيها ليست متوافرة.
ولم تأت زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان سوى لتعزز هذا الواقع. فمجرد وصول مسؤول ديبلوماسي إيراني على هذا المستوى الى لبنان، وهو رأس الديبلوماسية الايرانية، المدني المعروف باعتداله، يعني أن الأمر لا يتعلق بتصعيد في الجبهة الجنوبية. قد لا يعني الأمر العكس، أي تراجع وتيرة التوتر جنوباً، لكنه بالتأكيد ليس التصعيد المُخشى منه.
تُذكّر هذه الزيارة بزيارة سابقة قام بها وزير الخارجية الأسبق كمال خرازي العام 2002 في ظل الانتفاضة الفلسطينية الشعبية والمسلحة التي اشتركت فيها الفصائل كافة وشملت مقاومة عسكرية وشعبية واستشهادية..
حينها انهمرت صواريخ مجهولة المصدر من لبنان على الأراضي المحتلة وكانت تتصاعد في شكل مضطرد حتى وصل خرازي إلى لبنان، إلى الجنوب تحديداً، وكانت جولته تلك شكل موقفاً جدياً بحد ذاتها لتهدئة الأوضاع وهكذا كان.
المعنى هنا أن ايران، التي قد تكون تقف وراء عملية حركة “حماس” في القرار السياسي والتدريب والتسليح والتمويل، لا تريد في المبدأ على الدوام نقل الأمور إلى نقطة كبرى من حيث التدمير لا سيما في هذه اللحظة من تاريخ المنطقة.
صحيح أن العملية النوعية المقاوِمة لـ”حماس” عملت على تعطيل أي عملية تطبيع، حسب متابعين، الا أن الصحيح أيضا أن المعركة باتت سريعاً محصورة بين الحركة و”إسرائيل” ولم تتحول الى انتفاضة شاملة على غرار مثلا معركة “سيف القدس” في العام 2021 عندما اشتعلت مناطق داخل الخط الأخضر في مناطق احتُلت خلال النكبة الكبرى العام 1948.
والحال أنه ليس بين اللاعبين الكبار من يريد حرباً كبرى، سواء الأميركيين الذين لم يتهموا طهران بالعملية العسكرية، أو الإيرانيين أنفسهم الذين يقودون المعركة من بعيد وربما يشرفون عليها، و”حزب الله” الذي يلتزم بـ”قواعد الإشتباك” بينما لا يتبنى عمليات الفصائل الفلسطينية عبر الحدود.
يشير متابعون للحدث في محور الممانعة إلى أن “حماس” تعلم هذا الموقف وتبلغت به من طهران، لكن من غير المفيد تقديم هدية مجانية الى العدو لإراحته، بينما يفعل غموض الموقف في تعزيز حالة القلق لدى الإسرائيلي.
طبعا لقد فوجىء الجميع بمن فيهم أقطاب هذا المحور نفسه بالانهيار الإسرائيلي السريع وبالإرتباك الذي حصل، لكن الفصائل في غزة مستعدة منذ زمن طويل لعملية التدمير الحاصلة ولأية عملية برية ستدفع إسرائيل ثمنها غاليا ومن المستبعد أن تكون مستعدة لها بشرياً.
هذا لا يعني أن الأمور قد لا تتطور في المستقبل، هذا وارد مع تصاعد التوتر وانزلاق الوضع نتيجة ظرف ما قد يطرأ خارج إرادة أي من اللاعبين، إلا أن المقصود أن المسألة رهن ما ستُقدم عليه إحدى أكثر الحكومات الاسرائيلية تطرفاً في تاريخ الدولة العبرية جُرحت في الصميم.
فجنون الحكومة الاسرائيلية ورئيسها بنيامين نيتانياهو لا حدود له وينقل ديبلوماسي غربي، حسب المتابعين، معلومات تفيد بأن الضربة الكبرى التي تعرضت لها إسرائيل، وجاءت من الجنوب بينما توقعتها إسرائيل من الشمال اللبناني، ستؤدي إلى رد غير مسبوق على قطاع غزة من دون الوقوف أبداً على عدد القتلى في القطاع حتى ولو بلغوا 20 ألفا و30 ألف قتيل!
في كل الأحوال يبدو أننا ما زلنا في بداية المأساة والأمور مفتوحة على إحتمالات شتى، بينما من المستبعد أن تتدحرج كرة الثلج جنوبي لبنان نحو مواجهة شاملة في الوقت الذي يترقب فيه “حزب الله” ويترصد حجم الرد الإسرائيلي في غزة والمدى الذي سيذهب إليه على كل الأصعدة، برياً عبر الاجتياح أو عبر اللجوء إلى ترانسفير في اتجاه مصر أو نحو الضفة الغربية، ما ليس مقبولاً حتى عربياً ولن يقف العرب مكتوفي الأيدي تجاهه