IMLebanon

وقف النار في غزة: محطة ما بعدهــا أُخرى

 

بعد 11 يوماً أُعلن وقف لإطلاق النار في قطاع غزة وعموم اسرائيل، من دون اي اتفاق يوحي بالنتائج التي انتهت اليها هذه الجولة من العنف. ولذلك توقفت المصادر الديبلوماسية امام إعلان كل من طرفي النزاع انتصاره. فأطلّ رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزير دفاعه على الشاشات، لتعداد الأهداف التي تحققت، من دون ان يقنع احداً من مواطنيه، تزامناً مع اعلان المنظمات الفلسطينية وحلفائها انتصارهم فوق أشلاء الضحايا. فما الذي تعنيه هذه المعادلة؟

 

جزم تقرير ديبلوماسي ورد من إحدى العواصم الغربية قبل أيام، بأنّ الحرب الدائرة في غزة وغلافها، امتداداً الى مساحة واسعة من اسرائيل، هي الاولى من نوعها في شكلها ومضمونها، وهي حتى الامس القريب بلا أفق سياسي، ولن تكون لنتائجها اي ترجمة فعلية سريعة على أرض الواقع. وإن تمّ التوافق على موعد لوقف النار فإنّه لن يعقبه اي تفاهم في المرحلة الراهنة، يتجاوز وقف العمليات العسكرية، في انتظار ما ستحمله الساعات والأيام المقبلة من تطورات.

 

قال التقرير ما معناه، انّ وقف النار هو الإنجاز الوحيد المتاح. وقد تقرّر موعده من قبل، عندما اعطى الرئيس الاميركي جو بايدن ما يشبه المهلة منذ مساء الثلثاء الماضي بالتوقيت الأميركي لوقف العمليات العسكرية مساء الخميس، من دون ان يقدّم اي صيغة حل تتجاوز هذا الاتفاق حصراً. ولذلك انصبّت الاتصالات الاميركية مع الجانب الاسرائيلي عبر الوسيط المكلّف هذه المهمة هادي عمرو، فيما تعهّد الجانب المصري بتسويق التفاهم مع المنظمات الفلسطينية لاحترام هذه المهلة، وهي عملية انتهت بتحديد الثانية فجر امس الجمعة ساعة الصفر لوقف العمليات العسكرية. فالتزمت به اسرائيل من طرف واحد لساعات قليلة، سبقت تأكيد المنظمات الفلسطينية التي تخوض المواجهة بالموعد عينه. ولم يخف الطرفان نيتهما بربط اي تعهّد بعيد المدى بوقف النار، بالتزام الطرف الآخر بصيغة متبادلة تلخّصها مقولة كل طرف للآخر «إن عدتم عدنا».

 

استند التقرير الذي صيغ بلغة «التوقعات المقدّرة» الى مجموعة من العناوين التي قد تساهم في تحقيق هذه المرحلة من أجل وقف العمليات العسكرية الى حين، من دون اي إشارة الى اي تفاهم سياسي يمكن ان يُلزم طرفي النزاع، وهو ما سمح لهما بتقدير الموقف واعلانهما في وقت واحد انتصارهما، من دون وجود اي خاسر سوى من دفعوا الثمن غالياً من أرواحهم وأملاكهم ومقتنياتهم على مساحة النزاع بينهما.

 

والى هذه المعادلة، فقد استندت التوقعات التي صَدَقت الى بعض العناصر التي قدّمت وقف النار كخطوة اولى لا بدّ منها على ما تليها من خطوات وفق الآتي من المعطيات:

– سدّدت واشنطن قبل وقف النار بأيام جزءاً من فاتورة الحرب الاسرائيلية، ومنحت الدولة العبرية ما يقدّر بـ 750 مليون دولار من الأسلحة الصاروخية المتطورة والدقيقة، بعدما قدّر الجانب الاسرائيلي الجزء الاول من الكلفة بما يقدّر بنحو مليار و250 مليون دولار، قبل تقدير حجم الأضرار التي تسببت بها صواريخ القطاع على مدنها ومستوطناتها، بالإضافة الى تلك غير المنظورة التي طاولت مؤسساتها التي تعطّل العمل فيها، بما في ذلك تجميد حركة الطيران وغيرها من وجوه الحياة اليومية، التي شلّت عمق اسرائيل للمرة الاولى في تاريخ نزاعها مع العرب.

– لم يكن لدى الادارة الاميركية اي تصور نهائي للحل بين طرفي النزاع على المستوى السياسي. وهو ما ابلغه الموفد الاميركي هادي عمرو الى الجانبين الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية. وتردّد انّه كان صريحاً معهما انطلاقاً من عدم قدرة الإدارة الجديدة على تقديم اي «مشروع حل متكامل» قبل ثلاثة اشهر من الآن على الاقل.

– كان الجانب الأميركي صريحاً مع طرفي النزاع. وتزامناً مع ابلاغ الجانب الاسرائيلي أنّه لن يسعى الى إحياء ما يُسمّى «صفقة القرن»، وانّه ما زال يسعى الى صيغة متطورة اخرى. وهو ما كشفه عمرو خلال لقائه مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، عندما تحدث عن صيغة تحيي «حل الدولتين»، وذلك في بداية مهمته الميدانية في اسرائيل كوسيط مكلّف هذا الملف، خلفاً لكل من تولّى هذه المهمة من قبل، بمن فيهم جاريد كوشنير صهر الرئيس السابق دونالد ترامب.

– الى تعهّد القاهرة بصندوق لإعادة اعمار غزة ينطلق من رأسمال مصري بنصف مليار دولار، والسعي إلى تأمين ما تبقّى من مجموعة الدول الصديقة وبعض الدول الخليجية خصوصاً، بقيت مهمة الجانب المصري محصورة اساساً بالاتصال مع المنظمات الفلسطينية في غزة، بالتنسيق مع الوسيط الأميركي الذي رفض إجراء اي اتصال او لقاء مع اي من يمثلها. فهي جميعها، بالإضافة الى حركتي «حماس» و «الجهاد الاسلامي»، من «المنظمات الارهابية» التي تحظّر القوانين الاميركية الاتصال بأي منها. ولذلك، عُدّ اللقاء بين عمرو والرئيس الفلسطيني في بداية مهمته بروتوكولياً ولا بدّ منه. وعدا عن كونه موفداً اميركياً رسمياً، فإنّ عباس صديق شخصي له، وقد شكّل اللقاء رسالة اعتراف بسلطته وبوجوده كطرف في الاتفاقات السابقة بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية، على رغم معرفته المسبقة بعدم وجود اي دور للسلطة الفلسطينية في رام الله بكل ما يجري في قطاع غزة.

 

على هذه الاسس يتحدث التقرير الديبلوماسي عن معطيات اخرى تناولت بداية التحضير لتفاهمات سياسية على المديين القريب والبعيد المدى، وسط غابة من الألغام المتوقعة على المستويين الفلسطيني والاسرائيلي، استناداً الى قراءة لمواقف الطرفين تلخّصها المعادلة التي لم تخرج اسرائيل منها ولا الجانب الفلسطيني.

 

فالدولة العبرية لن تقبل بـ»حل الدولتين» على الإطلاق، وهو ما دلّت اليه هذه العملية التي خطّط لها نتنياهو. فهو متهم اليوم من جانب كبير من المسؤولين الاسرائيليين بأنّه قرّر دعم «حماس» والمنظمات الحليفة، في مواجهة عزل فيها السلطة الفلسطينية عن مسرح العملية لأسباب عدة. واولها انّه قدّم صورة عن فقدان الشريك الفلسطيني الوحيد لإدارة «الدولة الثانية» المحكي عنها في إطار «حل الدولتين». وهو ما سيتحقق إن باتت ادارة قطاع غزة بعد إلغاء الانتخابات النيابية الاخيرة في عهدة «حماس» و»الجهاد» ولا دور للسلطة فيها.

 

ويوحي التقرير بصعوبة الوصول الى حل سياسي في ظلّ المعطيات القائمة حتى اليوم. فما تكرّس من امر واقع جديد لا يسهّل التفاهم الفلسطيني الداخلي حول قواسم مشتركة، بمقدار ما يعزز الشقاق بين الفلسطينيين، فيما ستسعى اسرائيل إلى معالجة ما سُمّي بـ «الحرب الاهلية» بين العرب واليهود في المدن والقرى المشتركة، وهو ما سينعكس سلباً على اي خطة سلام مقبلة بين اسرائيل والفلسطينيين، في انتظار جولات جديدة من العنف يمكن ان تشهدها المنطقة في اي لحظة.