وسط سباق محموم بين انطلاق نيران المعركة، والمساعي الديبلوماسية للجم “هزيج” المدافع، وتجنيب لبنان كارثة يفتقد القدرة على مقاومتها، تترنح جبهة الجنوب على ايقاع تصعيد “مدوزن”، تواكبه لغة تهديد ووعيد داخلية وخارجية، يحار معها المراقبون والمتابعون في تبيان خيوطها البيضاء من تلك السوداء، في وقت يزداد غموض موعد العملية العسكرية البرية المنتظرة غموضا، يعيده الكثيرون الى حسابات الخسائر الكبيرة التي سيمنى بها المهاجمون.
في الاثناء، لا يزال ما حصل من نكسة غير متوقعة وغير مسبوقة، تحليل وتقييم ومسؤوليات يستمر في الداخل “الاسرائيلي” ومع الحلفاء عملية مراجعة دقيقة لما حصل واسبابه، والجهات المقصرة، خصوصا في ظل التسريبات الاعلامية المتزايدة من أكثر من طرف، حول تحذيرات استخباراتية تلقتها “تل أبيب” من أجهزة “صديقة”، عن تحضيرات ما لعمل غير عادي ونوعي، عزز من إمكاناته تقاطع معطيات عن وصول أسلحة غربية، اميركية تحديدا، غنمتها القوات الروسية في أوكرانيا وتم نقلها إلى غزة، في عملية تصفية الحسابات بين موسكو و”تل أبيب”، على خلفية موقف الأخيرة من الحرب الأوكرانية ودعمها لكييف، قبل أن تعود وتستوي العلاقات بين الطرفين.
ووفق خبراء عسكريون ، فان التقصير الذي حصل اخيرا تتحمل مسؤوليته الاستخبارات العسكرية اي جهاز “امان”، المسؤول وفقا للهيكلية الإسرائيلية عن جمع المعلومات عن الجبهات القتالية وعن العدو واستعداداته، وهو من حيث التعليمات الداخلية الإسرائيلية يعمل باستقلالية، وحدود تعاونه مع الأجهزة الخارجية تبقى في اضيق النطاقات.
وفي حال صحت المعلومات، عن أن المخابرات المصرية أبلغت تل أبيب “بشيء ما يحضر”، وهو ما تؤكده مصادر اميركية، فان “قطبة مخفية” قد يسهل كشفها الوصول إلى حقيقة ما جرى يوم السابع من تشرين الأول، إذ تؤكد تقارير استخباراتية ان دولة عربية وصلتها معلومات دقيقة ليل الخامس من تشرين عن استدعاء حركة حماس لعناصر النخبة لديها، وأن عملية تجهيز لوجستية بدأت في اكثر من نفق، وهو ما تم نقله عبر طرف ثالث لاحد ضباط المخابرات “الإسرائيلية” في دولة أوروبية، يتبع لجهاز “الموساد” اي الاستخبارات الخارجية.
عند هذه النقطة، يقول الخبراء العسكريون ان”الطاسة ضاعت”، إما بسبب عدم اخذ المعلومات على محمل الجد، والتأخير في إبلاغ القيادة باعتباره يوم عطلة، وإما كان هناك تأخير مقصود بناء على قرار كبير، سببه الصراع القائم داخل “إسرائيل”، وعمليات التمرد التي وصلت الى الاستخبارات العسكرية، على خلفية الخلاف حول قانون التعديلات القضائية، وما تركه من آثار على العلاقة بين السلطتين السياسية والعسكرية.
هذه الفرضية الأخيرة تبدو الأقرب إلى الواقع، وفقا للخبراء، هو ما دفع بالقيادة العسكرية الأميركية، وتحديدا المخابرات العسكرية التابعة لوزارة الدفاع، إلى استلام زمام الأمور وغرف العمليات العسكرية الإسرائيلية، عبر ارسال ضباط واميركيين بصفة مستشارين لادارتها مباشرة، في ظل الانقسام والصراع القائم بين الأجهزة الاسرائيلية، علما ان ما لفت المراقبين ٣ أمور اساسية:
– وجود كامل قيادة فرقة غزة في مقرها، وهو امر لافت رغم انه يوم عطلة وعيد.
– عمدت حماس إلى إحراق العديد من الأسلحة النوعية التي غنمتها، أبرزها دبابات الميركافا ٤، والتي لم يتمكن خبراء تابعون لمحور المقاومة الموجودون في القطاع من الوصول إليها، كما أن الجيش الاسرائيلي لم يقم بالاغارة عليها وتدميرها.
– تعمد حركة حماس عدم نشر اي صور لمراحل الهجوم الأولى الذي نفذته قواتها الخاصة.
ويتابع الخبراء العسكريون بأنه منذ عام ١٩٧٣، بدأت “اسرائيل” تصاب بنكسات متتالية، لم يكن آخرها خلال عدوان تموز ٢٠٠٦ الذي استهدف لبنان، حيث انها فشلت في تحقيق الأهداف التي كلفت بها، كما أنها لم تصب في تقييمها لردات فعل اعدائها، وهو ما كلف “إسرائيل” كثيرا على الصعيد العسكري والسياسي، وعلى صعيد الكلفة البشرية التي باتت إلى مزيد من الارتفاع مع مرور الوقت.