Site icon IMLebanon

مأزق الممانعة

 

كان خرق حركة «حماس» للخطوط الحمر، فجر السابع من تشرين، أبعد من زهو الانتصار، الذي يحلو لطهران إعلانه في كل جولة قتال كانت تشهدها غزة، منذ استيلاء «الحركة» على القطاع، وطرد «فتح». هذه المرّة لم تكن الجولة، مجرد أيام من القصف والعمليات العسكرية، بل تخطت ذلك إلى حرب طويلة الأمد، لا أنصاف حلول فيها ولا مفاوضات، ولا نهاية لها، بهدنة على وقع التحضير للجولة المقبلة.

 

وضعت عملية غلاف غزة اسرائيل و»حماس» على السواء، في مواجهة لا هروب منها، فلم يعد لأي من الطرفين القدرة على المناورة. إسرائيل وضعت القضاء على «حماس»، هدفاً لا مساومة عليه، و»الحركة» حضّرت لصمود طويل، وقتال من شارع إلى شارع، وترسانة صاروخية تكفي لتحقيق هدف إطلاق الصاروخ الأخير، قبل إعلان وقف إطلاق النار، بما يمكنها من رفع إشارة الانتصار، ولو على أشلاء القطاع.

 

في هذه الحسابات المتبادلة، التي لا تُنبئ بنهاية سريعة للحرب، كانت طهران قائدة الممانعة، تدرس خطواتها، خطوة خطوة، خشية الانزلاق إلى التعرض لمخاطر الحرب. رسمت الممانعة معادلات، تصلح للتفرج على القطاع، وهو يتم تدميره بطائرات إسرائيل، لكن لا تذهب إلى حد ارتكاب مخاطرة غير محسوبة، لا سيما وان أساطيل اميركا قد باتت عملياً، في دائرة الاشتراك في الردع، ذلك قبل أن تطلق العنان لقوتها النارية.

 

لكن معادلة الابتعاد عن النار المندلعة في القطاع، لا تستقيم، لا بل تتناقض، مع كلام المنابر طوال السنوات الماضية، التي حفلت بالتهديد وعرض العضلات. هكذا بدت الممانعة بعد 13 يوماً على اندلاع الحرب في غزة، أسيرة عمليات تذكيرية يقوم بها «حزب الله» عبر الحدود، يتم الرد عليها من اسرائيل بعمليات تذكيرية محدودة، وساد تفاهم ضمني، على ألا تتخطى هذه العمليات حدود الذهاب إلى مواجهة شاملة، على الأقل بانتظار بدء الهجوم البري الوشيك على القطاع.

 

إنه التردد القابع بين خيارين، لا يقل الواحد منهما ضرراً عن الآخر، مع ترجيح أنّ إيران تفضّل السلامة، لها ولـ»حزب الله» على التورّط في حرب، لا خطوط حمراً فيها ولا ضوابط.

 

في مناخ التردد هذا، يغيب الذين اعتلوا المنابر، متذرّعين بأنّ الغموض هو أحد الأسلحة الفتّاكة بوجه العدو، وبأنّ الصبر الاستراتيجي الذي اتقنت الممانعة التسويق له، أو فنّ حياكة السجاد، يبقي المبادرة بيد الممانعة، كي تفاجئ الجميع عندما تقرر قلب الطاولة. لكنهم ومع كل ذلك لا يتجاهلون، أنّ «حماس» طلبت المساعدة علناً، ولا يخفى عن أعينهم صور القطاع وهو يتعرّض للدمار.