IMLebanon

بعد تنفيذ «عقيدة دريسدن» هل يبدأ العد العكسي لاجتياح غزة؟

 

 

إنّ فشل الإدارة الأميركية لترويج «مخطط التهجير» في الدول العربية وخصوصاً مصر والأردن والسعودية لتفريغ غزة والضفة الغربية من سكانها ودفعهم في اتجاه صحراء سيناء والأردن، وفشل «قمة السلام» التي دعا إليها الرئيس المصري في القاهرة، حيث لم يتم التوافق على بيان مشترك لهذه القمة، أدّيا بالعدو الإسرائيلي الى ارتكاب مزيد من المجازر في قطاع غزة والضفة الغربية، وليس آخرها تدمير الكنيسة الأرثوذكسية والمستشفى المعمداني وغيرهما من مجازر فظيعة أدت إلى محو عائلات بكاملها من سجلات قيد النفوس الفلسطيني.

بلغ إجمالي ضحايا العدوان «الإسرائيلي» على غزة، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية، 4385 شهيدا منهم 1756 طفلا و967 سيدة إضافة إلى13561 جريحا منذ 7 تشرين الاول الجاري، مشيرة إلى أن 70% من ضحايا العدوان الإسرائيلي هم من الأطفال والنساء والمسنّين. أما خسائر العدو الصهيوني فنحو 2000 قتيل، و4562 جريحًا بحسب بيانات وزارة الصحة الصهيونية، فيما كشف الجيش الإسرائيلي أنَّ عدد القتلى من الجنود بلغ حتى اليوم أكثر من 300 جندي وجندية، بالإضافة الى الأسرى الموجودين لدى حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي».

وبعدما بات الجيش الإسرائيلي جاهزاً، بحسب إدعاءات جنرالات الحكومة الإسرائيلية، للغزو البري، وبعدما أُعطي الضوء الأخضر من الرئيس الأميركي جو بايدن وحلف «الناتو»، قد يرتكب كثير من المجازر والقتل العشوائي بهدف جعل «القطاع» غير صالح للسكن على الإطلاق وبالتالي فرض أمر واقع معيشي مُزر يدفع أهله الى المغادرة إجباريا، ولا تزال الآلة العسكرية الحربية الصهيونية تمارس حرب الإبادة الجماعية فيه، وتدمّر مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية وتحرق الأشجار ما تسبب بأضرار جسيمة، مما يجعلها أشبه بتطهير عرق، أو ما يشبه بتنفيذ عقيدة الجنرال الانكليزي آرثر هاريس في الحرب العالمية الثانية عندما مَحا من خريطة مدن العالم مدينتي دريسدن وكولونيا في ألمانيا وأباد في خلال ساعة ونصف ساعة في دريسدن وحدها أكثر من 40 ألف شخص.

الاعتقاد السائد أنَّ اللوبي الصهيوني هو الذي يوجّه السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، لكنَّ الحقيقة هي أنَّ إسرائيل هي عبارة عن قاعدة أو ولاية أميركية في قلب الأمة العربية، هذا ما أثبتته أحداث الأيام الماضية، إذ ما ان انقشعت الغيوم عن نتائج عملية «طوفان الأقصى» حتى هرعت البوارج وحاملات الطائرات الاميركية والبريطانية لحماية الكيان الصهيوني الذي تبين أنه هَش جداً بخلاف ما كان يدّعيه سابقاً من أنه القوة التي لا تقهر، وما زالت مخازن الأسلحة الأميركية والأوروبية مفتوحة لتموين آلات القتل الصهيونية وتذخيرها.

أما التقدير العملاني لما يجري عند الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة، فهو انه «حرب محدودة» حيث باتت الجبهة تشمل مسافة 105 كلم هي الخط الفاصل بين الحدود اللبنانية والأراضي المحتلة (يقاتل «حزب الله» على جبهة معقدة التضاريس تبدأ من نقطة صفر على البحر في الناقورة وتنتهي عند نقطة في جبل الشيخ على إرتفاع 2814 متراً مما يجعلها أعرض جبهة قتال متوترة حالياً في العالم). وحتى اليوم، إعترف العدو بخسارة أكثر من 11 مدرّعة من نوع «ميركافا»، و 4 آليات حاملات جند، فيما أعلنت مستشفى «نهاريا» عن استقبال أكثر من 170 بين قتيل وجريح منذ اندلاع الاشتباكات على هذه الجبهة. بالإضافة الى تعطيل وإعماء معظم أجهزة المراقبة والتنصّت المزروعة على كل الحدود بين لبنان والأراضي المحتلة.

عى انّ استمرار العمليات وتصاعدها من يوم إلى آخر نتيجة استفزازات اسرائيل واعتداءاتها على المدنيين والصحافيين (وآخرها ما جرى منذ 3 أيام قرب موقع العباد من محاولة قتل مجموعة من الصحافيين حيث استشهد أحد مرافقيهم) سيرفع من وتيرة الرد والرد المباشر الى مستوى الحرب الواسعة في حال استمرت على هذا المنوال، لكنها حتى الآن ما زالت ضمن خطوط الاشتباك المرسومة منذ العام 2006.

الاقتصاد الصهيوني معطّل كليّاً ومطار بن غوريون الأساسي شبه معطل بالإضافة الى المرافىء (حيفا وأشكلون)، وصواريخ المقاومة ما زالت تتساقط على «تل أبيب» وغيرها من المدن الحيوية في الكيان الصهيوني، بالإضافة إلى الهدف المعلن (تفكيك بنية المقاومة)، سيجعلها في دائرة الخطر بالدخول في مواجهة صواريخ محور المقاومة خصوصاً بعدما دخل اليمن والعراق حتى لبنان.
ما زالت إسرائيل تفتش عن «صورة نصر» ولو محدودة، وحتى الآن لم تحقق أي هدف بالمعنى العسكري الحقيقي لما أعلنته حكومتها برئاسة بنيامين نتنياهو، من سحق «حماس» و»الجهاد الإسلامي» وضَرب البنية العسكرية للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وقد يدفع جنون نتنياهو إلى توسيع دائرة الحرب لتشمل المنطقة كلها بهدف هروبه من تحمّل المسؤولية الكاملة بعد الإخفاقات الكثيرة التي مُني بها في الداخل الصهيوني وبحسب إعلام العدو: نتنياهو يدير حملة ويجمع مَواد ضد الجيش ليوضح أنه ليس مسؤولاً عما جرى في السابع من أكتوبر، فهل سيجرّ المنطقة الى كارثة كبرى، وهل ستتوسع دائرة الحرب لتشمل الإقليم بمجمله؟ لا أحد يجزم، فما يجري في الميدان يكاد يصل الى الحلقة التي لا عودة منها وهناك الخبر الأصدق.

توماس فريدمان كتب في صحيفة «نيويورك تايمز» في 19/10/2023، قائلاً: «لم يسبق لي أن كتبت عمودًا بهذا المقدار من الإلحاح من قبل لأنني لم أشعر قط بمثل هذا القلق في شأن خروج هذا الوضع عن نطاق السيطرة بطرق يمكن أن تلحق الضرر بإسرائيل في شكل لا يمكن إصلاحه، وتضر بمصالح الولايات المتحدة… وتهدد اليهود في كل مكان وتزعزع استقرار العالم كله. أتوسّل إلى بايدن أن يقول للإسرائيليين هذا على الفور ـ من أجلهم، من أجل أميركا، من أجل العالم».