IMLebanon

موقع لبنان في الحرب المتَّسعة.. الطوائف تراجع حساباتها إذا وقعت الفوضى العارمة

 

موقع لبنان السياسي والدبلوماسي في الحرب الدائرة، وهي حرب غير مسبوقة بكل المقاييس العسكرية والتاريخية، والجيوبوليتكية يكاد يكون مشتتاً، والإهتمام فيه، يتوقف على طبيعة الوظائف المراد لهذا الموقع أن يستجيب لها، في وقت تذهب فيه الطوائف المكوّنة لبنيته الاجتماعية، والممثلة لبنيته المؤسساتية، وإدارته ومرافئه ومطاره، ومياهه، وطاقته (التي لم يظهر فيها لتاريخه غاز او نفط).

فالولايات المتحدة الأميركية، ومعها دول غرب أوروبا ضمن مجموعة السبع أو حتى مجموعة العشرين، لديها هاجس واحد، يتعلق بجمع المعلومات، وأخذ الضمانات، بأن حزب الله لن يأخذ «موقع لبنان» إلى جبهة واسعة، هي الجبهة الشمالية، التي يلعب فيها الحزب، على الرغم من الخسائر الموصوفة على مستوى الكادر العسكري (ما يقرب من 20 شهيداً لتاريخه من قوات النخبة (الرضوان) دوراً عسكرياً، متعباً لجيش الإحتلال الاسرائيلي، ليس من الوجهة ذات الصلة بالخسائر على صعيد ضباط القيادة والجنود والمستوطنين، والآليات، إنما على مستويات الاشغال والإقلاق، وحجز قوات كانت مهيَّأة للذهاب الى حرب برية، على الجبهة الجنوبية لإسرائيل، أي قطاع غزة..

ليس بإمكان الرئيس نجيب ميقاتي أن يبلغ وزير الخارجية الأميركي انطوني بلينكن، أكثر من أن لبنان لا يرغب بتوسيع دائرة الحرب، وهو ملتزم بالقرار 1701، وبقرارات الشرعية الدولية، إلى آخر المعزوفة المعروفة..

يعتقد أن رئيس الدبلوماسية الأميركية، الذي يلعب اليوم دور رئيس الدبلوماسية الإسرائيلية أيضاً، والمتحدث باسم وزراء خارجية غرب أوروبا من ألمانيا إلى فرنسا وصولاً إلى هولندا والبلدان الواطئة في وسط أوروبا أيضاً، أعاد تكرار التهديدات والطلبات بإيصال رسالة لحزب الله، عبر حكومة بلده بألَّا يستجيب  لدعوات فتح الجبهة الجنوبية من جهة لبنان، والشمالية من جهة اسرائيل… مع بلاغ «الويل والثبور وعظائم الأمور» التي لا يعبث بها الحزب، وهو يشتغل على ساعة تخصُّه، ومرتبطة بما أسماه رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» محمد رعد «التكليف الشرعي»، فضلاً عن تكليف قيادة «محور المقاومة» الممتد من صنعاء  الى بغداد، ودمشق، بزعامة طهران، التي تكتفي بدور دبلوماسي، ضعيف التأثير، أمَّا المسائل الأخرى، من دعم مالي وتسليح وسوى ذلك، فالأمر يتعلق بأصحاب الأمر..

يحاذر حزب الله، الممثل الأقوى للشيعة في لبنان، من الذهاب بعيداً في تعريض الجغرافيا الشيعية، والجغرافيا الديمغرافية لشر مستطير، وهو يقاتل بحرفية عالية عند المواقع الحدودية، المعروفة جيداً لديه، والمكشوفة، والتي تكلفه دماء غالية، ونزفاً ملحوظاً.. ويترك للتطورات ان ترسم مسار المعارك الجديدة أو المقبلة، وسط رهان على أن العدو، ليس بمقدوره المضي قدماً في حرب مفتوحة، على صعوبات واستحالات ميدانية واقتصادية ودبلوماسية ومصيرية، مما جعل من مستوى التحذيرات لحزب الله ولبنان في تزايد، للحؤول دون توسيع الجبهة الحدودية عن الخط الأزرق، والإيعاز لعدد يفوق الـ30 مستوطنة، شمال اسرائيل (الجليل الأعلى) للمغادرة أو الابتعاد باتجاه الداخل.

تتطلع الغالبية الشيعية، الذي نزح بعضها الى القرى المجاورة أو مناطق بعيدة عن الجنوب، أو ترك البلاد من حيث يعيش في المهاجر، تتطلع هذه الأغلبية الى عدم اتساع دائرة الحرب، على نحو ما حدث في تموز 2006، حيث تدمرت مناطق بكاملها، لا سيما في الضاحية الجنوبية، حيث قيادة حزب الله، قبل ان تتوقف بعد 33 يوماً من القتال، والتدمير الذي لم يوفر لا بشراً ولا حجراً.

في الوقت هذا، تتطلع الطوائف الوازنة الأخرى، وكلها تأمل أن لا تتسع الحرب، وإن كان السنّة، في موقف أقرب الى الموقف الشيعي، لجهة وحدة المصير والنتائج المترتبة على الحرب الدائرة في غزة، وبين الجيش الاسرائيلي وحركة «حماس» وحركات المقاومة الشقيقة.

يسعى الدروز، وفي مقدمهم النائب السابق وليد جنبلاط الى إدارة الموقف على طريقته، فهو أعلن منذ اليوم الأول انحيازه الى المقاومة الفلسطينية، داعياً حزب الله الى التبصُّر وعدم فتح جبهة جديدة، أو قبول استدراجه الى جبهة عند الحدود اللبنانية – الاسرائيلية، وقبل أيام قليل، دعا الى الاستعداد لفتح المنازل في الجبل، لمن يأتي من النازحين،  إذا وقعت الواقعة العسكرية الكبرى..

عند الجبهة المسيحية، يعتبر التيار الوطني الحر برئاسة النائب جبران باسيل، أن ما يحدث يشكل فرصة للمسيحيين للدفاع عن خيارات مستقبلية، من دون أن يبتعد قيد أنملة عن موقفه الرافض لانتخاب النائب السابق سليمان فرنجية للرئاسة الأولى، أو العودة  إلى المشاركة في جلسات مجلس النواب..

أمَّا الممثل الآخر، للمسيحيين، حزب «القوات اللبنانية» برئاسة سمير جعجع، فهو يترصد التطورات الميدانية، ضمن حسابات مختلفة عن حسابات التيار الوطني الحر، لبناء استراتيجية تخص المسيحيين في مرحلة ما بعد الحرب..

في الحرب هذه، صورة الدولة الجامعة، ما زالت في الواجهة، لكن مخاطر الفوضى، تدق الأبواب، وهنا تبدأ الطوائف مرحلة البحث عن حبال نجاة من خارج الدولة ووحدتها… ضمن ساحاتها وأسلحتها وخياراتها..