Site icon IMLebanon

بإنتظارك يا سيد…

 

 

حتى الآن يمكن تسمية صمت أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله بـ»الغموض البنَّاء»، إذ إننا اعتدنا في الحروب التي خاضتها المقاومة أن يكون ظهور السيد نصرالله الإعلامي مرتبطاً بآليات إدارة المعركة سياسياً، كذلك بتحفيز البيئة الحاضنة لملاقاة المقاومة والتناغم مع إيقاعها في الميدان، وأيضاً بمخاطبة الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي المستنفر أصلاً، والذي ينتظر بعضه وربما معظمه التحول المؤمل في مسار الرد على جرائم العدو الإسرائيلي في غزة والضفة الغربية، إنطلاقاً من الثقة بقدرات المقاومة وقيادتها على إيلام العدو، والأهم إسقاط مشروع «الشرق الأوسط الجديد» القديم المتجدد الذي تتوهم الإدارات الأميركية المتعاقبة بين الحين والآخر إمكانية فرضه على المنطقة بعد إسقاط مقومات قوتها وفي مقدمها «المقاومة».

 

إذاً، هي مسؤولية كبيرة ومعقدة مرمية على أكتاف السيد نصرالله شخصياً ومن خلاله على عواتق قيادة المقاومة، خصوصاً وأنّ إغتيال الحاج قاسم سليماني أضاف الى مهام السيد اللبنانية بعضاً من المسؤوليات الإقليمية على مستوى محور المقاومة، وذلك نتيجة الثقة الإيرانية المطلقة بشخصه وبقدرته على التواصل المؤثر مع قوى المحور الأخرى. ولأنّها مسؤولية كبيرة ومعقّدة لا بد من إنتظار نضوج المقدمات التحضيرية على مستويين:

 

سقوط الدعاية

 

– الأول: سقوط الدعاية الإسرائيلية الكاذبة التي تبعت هزيمة جيش الكيان ومؤسساته الأمنية، هذه الدعاية التي استعملها رئيس حكومة كيان العدو بنيامين نتنياهو وفريقه الحكومي لتغطية فشلهم ولاستدرار تعاطف بل دعم أميركي وغربي أعمى ومطلق لإبادة قطاع غزة بمن فيه. وقد حصل هذا السقوط فعلاً بعدما إرتكب العدو الإسرائيلي مجزرة المستشفى الأهلي المعمداني، هذه المجزرة التي شكلت نقطة تحول أيقظت الرأي العام العالمي كله ودفعت بمعظم شعوب العالم وخصوصاً في دول الغرب وتحديداً في الولايات المتحدة الأميركية للنزول الى الشوارع تنديداً بمواقف حكومات تلك الدول التي تصر على دعم الكيان الإسرائيلي في حرب الإبادة التي يقوم بها ضد الفلسطينيين، مع تسجيل ملاحظة جوهرية حول تلك التظاهرات كافة أنّ الشعار الذي كان حاضراً دائماً فيها هو free Palestine، وهو بحث آخر حول حضور فلسطين كاملة في وجدان الشعوب وإن كان العنوان الحالي غزة.

 

طبعاً الوقوف قولاً وفعلاً الى جانب الشعب الفلسطيني مسؤولية إنسانية وأخلاقية ودينية وقومية ووطنية، وهو أمر مشروعيته منه وفيه، لكن الأرضية الشعبية العالمية التي صارت جاهزة ستضيف الى هذه المشروعية تفهّماً ودعماً مطلقين في حال قامت المقاومة في لبنان بالإنخراط الواسع في الحرب المنتظرة في حال حصولها.

 

التوقيت الملائم

 

– الثاني: تحديد التوقيت الملائم لخيار توسيع المواجهة وتحويلها الى حرب شاملة على جبهات متعددة، وهو تحدٍ ليس سهلاً بعدما تراجعت كافة محاولات إيران من خلال تصريحات وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان لإستدراج الإدارة الأميركية الى مفاوضات غير مباشرة بهدف إنضاج «ستاتيكو» ميداني- سياسي يعيد صياغة موازين القوى الإقليمية والدولية في المنطقة، بناءً على العملية العسكرية النوعية التي قامت بها المقاومة الفلسطينية في السابع من تشرين الأول الجاري. كذلك بعد إحراق الإدارة الأميركية لجميع أوراق الحلول الممكنة أو حتى التنازلية التي قدمتها بعض الدول العربية، والتي كان من المحتمل أن تؤدي الى محاصرة المقاومة الفلسطينية في غزة وعزلها سياسياً وإعلامياً ومالياً ومن ثم الضغط عليها لتقديم تنازلات ليس أقلها الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين العسكريين والموقوفين المدنيين من إسرائيليين وأجانب من دون أي مقابل ولا حتى الوعد بدراسة أوضاع آلاف المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.

 

وبالتالي صارت جميع الأطراف وخصوصاً الإدارة الأميركية أمام مأزق كبير عنوانه الجدوى المنتظرة من إستمرار الإجرام اليومي الذي تقوم به إسرائيل ضد الفلسطينيين، مع تعذر الإندفاع براً بهجوم كاسح يسحق فصائل المقاومة الفلسطينية ويعيد ترتيب الواقع السياسي في غزة من خلال ما تردد عن إمكانية تسليم غزة للسلطة الفلسطينية القائمة في رام الله، وسط إشارات من أوساط فلسطينية الى رفض محمود عباس (أبو مازن) العودة الى غزة على ظهر دبابة إسرائيلية، وهو الأمر الذي دفعه للهروب من القمة الرباعية مع الرئيس الأميركي جو بايدن، كما قيل.

 

لذلك كله صار التوقيت متعلقاً بمن يضغط على زر التفجير الكبير قبل الآخر؟ وما هي المعطيات السياسية والميدانية التي ستدفعه الى ذلك؟

 

ويضاف الى التوقيت عنصر آخر وهو من ستكون لديه القدرة على إستعادة زمام المبادرة ميدانياً من خلال إبتداع آليات عبقرية على المستوى العسكري لإيلام الطرف الآخر وجره الى طاولة التفاوض.

 

عنصر المباغتة

 

بعد نصر 7 تشرين الأول لم يعد سهلاً إنتاج عنصر مباغتة جديد يكرس الهزيمة الإستراتيجية التي مُنيت بها إسرائيل، وهو تحدٍ آخر يواجهه محور المقاومة الذي من المفترض أنه راكم منذ نصر تموز 2006 حتى الآن تحضيرات وتجهيزات تصنع من الخيال واقعاً كما حدث في غزة. في وقت كان فيه كيان العدو الإسرائيلي يتخبّط في صراعاته السياسية الداخلية وفي فشله على صعيد ترميم بنية جيشه وأجهزته الأمنية والإستخباراتية. مع الإشارة الى أنّ الدعاية السياسية الإعلامية حول إستدعاء إحتياطيي الجيش من الإسرائيليين المنتشرين في الداخل والخارج تبدو تهويلية وغير فعالة، خصوصاً وأنّ الترهل وتراجع الأداء يصيب ضباط وأفراد الجيش الذين هم في الخدمة الفعلية، فكيف بأولئك المصنفين في الإحتياط والذين يتوجب عليهم الدخول في حروب شاركوا في بعضها سابقاً وهُزموا، أو لم يشاركوا وبالتالي لم يراكموا خبرة قتالية تمكنهم من تحقيق أي إنتصار موعود؟

 

إنطلاقاً من هذا كله، تعتبر إطلالة السيد نصرالله الموعودة أو المحتملة منعطفاً مفصلياً في مسار المواجهة مع الإدارتين الأميركية والإسرائيلية على مستوى المنطقة وليس غزة ولبنان حصراً، وبالتالي هي ليست محطة سياسية أو إعلامية تحضيرية لتظهير موقف تكفل به أعضاء قيادة «حزب الله» الآخرين، كما من المفترض أنها لن تكون إستجابة عاطفية لمطالبات أهل المقاومة وجمهورها الذين يسعون الى الإطمئنان حول إمكانيات المقاومة وتعزيز ثقتهم بقدرات قيادتها على إلحاق الهزيمة بالعدو وبداعميه.

 

مرة جديدة، الحسابات دقيقة جداً والمعركة الحالية ليست نهاية الصراع مع كيان العدو وراعيه الأميركي وغير الأميركي، ربما تكون هذه المعركة بداية لمتغيرات جيوسياسية تعيد خلط أوراق العلاقات الدولية والإقليمية، لكن المؤكد أنّ المنتصر فيها سيحمل بيده القلم الذي سيرسم فيه خارطة تلك المتغيرات.

 

بإنتظارك يا سيد…

(*) سياسي لبناني