Site icon IMLebanon

عن تخبُّط نتنياهو.. وغياب لبنان

 

 

بين التغريدة المتفلِّتة من ضوابط الحرب، والتي إتهم فيها رئيسي الشاباك والمخابرات بالتقصير، وبين التهديد المفاجئ بتمديد فترة الحرب ستة أشهر أو سنة، بحجة إستنفاد إمدادات «حماس»، بدا واضحاً حجم التخبُّط والإرباك الذي يُهيمن على قرارات نتانياهو، مع إتساع رقعة الخلافات من حكومة الحرب و«الكابينة» المصغرة من جهة، فضلاً عن تصاعد المعارضة الداخلية لإستمرار الحرب، التي لم تستطع أن تحقق خطوة واحدة من خطة القضاء على «حماس»، رغم كل التدمير الذي أصاب أحياء ومناطق بكاملها في غزة.

يحاول نتانياهو أن يتجاهل، وبكثير من الصلافة والغرور، إستراتيجية الحروب التي خاضها أسلافه منذ قيام الدولة العبرية، والقائمة أساساً على خطط الحروب الخاطفة، والتي لا تتجاوز معاركها بضعة أيام، تجبناً لإمتداد نيران المعارك إلى الداخل الإسرائيلي، وتفادياً لوقوع المزيد من الخسائر البشرية في صفوف الجيش، وما قد يثيره من تداعيات سلبية في الجبهة الخلفية على مستوى الشارع داخلياً.

 

إطالة أمد المواجهات العسكرية، وتحويلها الى حرب إستنزاف مديدة، يكون لمصلحة المقاومة الفلسطينية التي ليس لديها ما تخسره أساساً، لا في الإقتصاد، ولا في الصناعة، ولا في السياحة، ولا في إنتظام الحياة العامة، كما هو الحال في الدولة الصهيونية، حيث بدأت مؤشرات القطاعات الإقتصادية، وكل الصناعات الإنتاجية بالتراجع اليومي، منذ الأيام الأولى التي أعقبت عملية «حماس»، وإندلاع الحرب المفتوحة مع غزة، كما سجل الشيكل الإسرائيلي إنخفاضاً درامياً تجاه الدولار والعملات الأجنبية الأخرى.

وما يزيد وضع نتانياهو تأزماً، فشل خطة العملية البرية مسبقاً، حسب تقييمات البنتاغون الأميركي، الذي نصح جنرالاته بإعتماد عمليات توغل محدودة، تجنباً لوقوع خسائر كبيرة في صفوف الإسرائيليين، لأن البنية العسكرية لحماس مازالت متماسكة، وتتمتع بقدرة مناورة مهمة في الأنفاق تحت الأرض، وبين أنقاض الأبنية والأحياء المهدمة فوق الأرض.

 

في هذه المراوحة البائسة للجيش الإسرائيلي، ومحاولات نتانياهو المتعددة للهروب إلى الأمام، والتي كان آخرها رمي مسؤولية التقصير على رئيسي الشاباك والمخابرات، لم يعد مستبعداً حصول تغيير مفاجئ في معادلة السلطة الراهنة في تل أبيب، يُطيح بنتانياهو، ويحوّل الأزمة الوجودية الحالية إلى فرصة جديدة لإعادة الحياة إلى التسوية النهائية لهذا النزاع المرير، وذلك على أساس حل الدولتين، الذي تحدث عنه الرئيس الأميركي بايدن عند زيارته التضامنية مع تل أبيب. وهذا الحل الذي كان حاضراً في جميع المواقف والبيانات التي صدرت عن العواصم العربية، وطروحات المجموعة العربية في جلسات مجلس الأمن، وفي الجمعية العمومية للأمم المتحدة.

وإذا صحّت المعلومات المتداولة في بعض وسائل الإعلام الأميركية، عن قرب إنتهاء التفويض الذي أعطته واشنطن لتل أبيب نهاية الأسبوع الحالي، لشن الحرب الجوية بهذه الوحشية على غزة، وذلك بالتوازي مع التقدم الحاصل في الدوحة حول خطوات إطلاق الرهائن من قبل حماس مقابل تحرير الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية، فهذا يعني أن التطورات المقبلة ستأخذ منحى مخلتفاً، ويبدأ الحديث عن مرحلة ما بعد الحرب، والتي لن يكون لنتانياهو ومجموعة المتطرفين في حكومته أي دور فيها. وتتولى فيها كل من القاهرة والرياض مهمة الرعاية العربية مع الأطراف الدولية والإقليمية، للوصول إلى السلام العادل والشامل، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف.

******

ولكن ماذا عن الوضع المتوتر مع العدو الإسرائيلي على الحدود الجنوبية؟

ثمة إجماعٌ لبنانيٌّ على رفض الإنزلاق إلى الحرب، كما أن حزب الله يعضّ على الجرح في تحمُّله الخسائر الموجعة من مقاتليه، حتى لا يعطي فرصة للعدو لتجاوز قواعد الإشتباك الحالية، والمحصورة عُرفاً في الأراضي اللبنانية المحتلة، والمناطق المتاخمة لها على طرفي الحدود.

أجواء القلق والحذر المتغلغلة في قلوب وعقول اللبنانيين هذه الأيام لها ما يبررها، خاصة بعد تكاثر عدد السفارات الأجنبية والعربية التي طلبت من مواطنيها مغادرة لبنان.

ومما يُفاقم القلق اللبناني، هذا العجز المتمادي للسلطة الشرعية في إدارة هذه المرحلة الصعبة، وتلبّس حالة الضياع في إتخاذ القرارات المناسبة، للتخفيف من معاناة الناس من جهة، والحدّ من الخسائر اليومية من جهة ثانية.

في خضم السيناريوهات المطروحة لأوضاع المنطقة، حرباً أو سلماً، المطلوب من لبنان الخروج من أزماته الراهنة بسرعة، وإعادة الإنتظام لمؤسساته الدستورية، من رئاسة الجمهورية إلى الحكومة إلى تنشيط دور مجلس النواب، حتى لا يكون هو الحلقة الأضعف في المنطقة، وتجري التسويات على حسابه..، أو على الأقل بعيداً عن مصالحه الوطنية.