IMLebanon

الحرب وإعادة التعريف

 

 

 

إذا لم تتوسع الحرب وتشمل «حزب الله» شاء أم أبى، أو مجمل الأذرع، برضاها أو اضطرارها، أو ربما إيران نفسها، فإننا لا نحتاج الى خبراء عسكريين ولا الى منجّمين لندرك أنّ أهل غزة باقون حتى إشعار آخر تحت رحمة النار والدمار، وأنّ غزة تُركت لمصيرها.

 

ستوجب نتائج الحرب وتداعياتها الرهيبة على المنخرط فيها متكبّداً آلاف الضحايا، أو المكتفي بـ»مشاغلة» إسرائيل، أي «حماس» و»حزب الله» بالتحديد، إعادة تعريف علاقته بالقضية التي ضحّى بنفسه وبالآخرين من أجلها انطلاقاً ممّا أنجزه أو أخفق فيه أو تسبّب في خسارته، شرط أن يتوقّف تحويل الهزائم انتصارات، وأن يسود العقل بدل التمنّيات.

 

بالنظر الى ميزان القوى ومسار الأحداث التي تلت 7 تشرين، لا يبدو أمام «حماس» إلا حلّ من اثنين. الخروج نهائياً من المعادلة إذا نجحت إسرائيل في تحقيق هدفها الاستراتيجي المعلن، أو التحوّل طرفاً منهكاً ومتهماً بتوريط شعب غزة في عملية خارقة تحوّلت نكبة تاريخية جديدة، في حال أُرغمت إسرائيل على وقف حملتها الوحشية. وحينها لا بدَّ لمنظمة التحرير، مهما تهالكت أوضاعها السياسية والتنظيمية، من التقاط واحتضان «حماس» المثخنة بالجراح سواء رفعت شارة النصر أم الراية البيضاء، كونها جزءاً من حركة التحرر الوطني الفلسطيني وليست منظمة إرهابية مهما حاولت إسرائيل وحلفاؤها وصمَها بهذه الصفة.

 

وفي المقابل يُفترض أن تعاود «حماس» تعريف علاقة إسلاميتها بقضيتها الوطنية، والإنضواء في كنف الشرعية الفلسطينية التي يتوجب عليها نفض الغبار عن عجزها كونها مضطرة للتعامل مع استفاقة أميركية مطلوبة تسعى الى حل سياسي للقضية الفلسطينية، أو مع استمرار نهج «إدارة النزاع» المتسبب أساساً في دوام العنف والاحتلال.

 

ما ينطبق على مستقبل «حماس» ينطبق أيضاً على «حزب الله» حتى لو نأى بلبنان عن مواجهة كارثية في بلد يعاني الانهيار وتُظهر استطلاعات الرأي أنّ أكثريته الساحقة تقول «لا للحرب».

 

وليس من باب الرفاهية في هذا الظرف بالذات مطالبة «حزب الله» بتجنيب لبنان الحرب بإعلانه التزام القرار 1701 وإخلاء الساحة الحدودية للجيش بالتعاون مع «اليونيفيل»، بل هو واجب السلطتين التنفيذية والتشريعية الضغط في هذا الاتجاه، مثلما هو واجب كل القيادات الدينية، خصوصاً دار الإفتاء التي قصَّرت عن إعلان رفض الحرب في لبنان مكتفية بشعبوية التنديد بالعدوان على غزة، وكأنها أدت قسطها للعلى في هذا الإطار.

 

نعلم أنّ «حزب الله» ليس اليوم في وارد تقديم تنازلات، لكن مهما كانت نتائج هذه الجولة المفصلية من الصراع، فإنه سيواجَه بمطلب إعادة صياغة علاقته بالقضية الفلسطينية التي ستعود حتماً الى فلسطينيتها وحضنها العربي، وإعادة تعريف علاقته وعلاقة طائفته بالدولة اللبنانية وبسائر اللبنانيين، إذ إن صدمة حرب غزة ووحشية إسرائيل وخيبات لعبة المصالح الإقليمية ستدفع الى تأكيد حق كل اللبنانيين، أو بعض المكوّنات على الأقل، في رفض العيش بين حدّي حروب فعلية وحروب محتملة، فيما تتلاعب إيران بمصائر شعوب المنطقة، وتضع الدول العربية جمعاء مصلحتها الوطنية أولاً، وفوق كل اعتبار وأي شعار.