في تبرير الغرب امتناعه عن القبول بقرارات دولية لوقف النار في غزة، تتهم أجهزته الدبلوماسية «حماس» بأنّها لا تريد وقف النار من جهتها، وبأنّها أحرقت مراكبها عبر عمليتها العسكرية في 7 تشرين الأول، وبأنّها أرسلت إشارة إلى إسرائيل بأنه لا يمكن البحث بأي شيء معها وهذا كان بمثابة إعلان حرب. ويربط الغرب وقف النار بهدنة إنسانية هدفها الأول إطلاق سراح الرهائن والسجناء، وتفتح الباب على وقف النار والمسار السياسي. وظهور تمايزات غربية في شأن الموقف من وقف النار لا يغيّر في الأمر شيئاً، ولا يعدل في السردية الغربية الموحدة، بأنّ الضربة التي تلقتها إسرائيل من الطبيعي أن يكون الرد عليها عشرة أضعاف ما تعرضت له.
تقدم المصادر الدبلوماسية الغربية والأوروبية الموقف المتشدد الذي تأخذه دولها على هذا الشكل، وفي اليوم التالي يأتيها إعلان «حماس» اقتراحها وقفاً للنار في المفاوضات على إخلاء الأسرى والرهائن لديها، مقابل جميع الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، فتبقى إسرائيل وحدها من طرفي القتال رافضة لوقفه. وهو أمر يخالف اتهام السردية الغربية «حماس» برفض وقف القتال. هذا مع أنّ طلبها وقف النار حصل قبل إعلان استعدادها للبحث بمسألة الرهائن، نظراً إلى الخسائر الهائلة بالمدنيين الفلسطينيين جراء القصف الإسرائيلي الهستيري على غزة.
كل يوم يمر وكل ساعة تمضي من الحرب الجارية ضد غزة تغيّر من الوقائع التي يعتبرها بعض دول الغرب حقائق يبني عليها موقفه، أو يدحض قناعة لدى هذه الدول التي تتصرف على قاعدة ما توصلت إليه من استنتاجات.
تقرّ دول الغرب بأنّ «حماس» نجحت، لكن سرديتها تضع ذلك في سياق مختلف عما يراه الفلسطينيون والعرب. تتحدث مصادر دبلوماسية فرنسية عن «الحرج العربي، والمخاطر الراهنة التي يمر بها لبنان والصعوبات التي تمر بها السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس وعن العنف الذي يتعرض له الفلسطينيون من قبل المستوطنين في الضفة الغربية»… على أنّها لا يمكن فصلها عما قامت به «حماس». وفق المصادر إياها أنه إذا ضرب الإسرائيليون لبنان لاحقاً، وهذا حسب معطياتنا ما سيقومون به، سيقال إن الإسرائليين أوغاد، وهذا صحيح، لكن لم يكونوا ليقوموا به لو لم تقم «حماس» بما قامت به»… وحين يكون الرد أن نتانياهو هو السبب، يأتي الجواب بأنّ «الضحية الأولى لن تكون نتانياهو بل الناس المساكين والرهائن ومحمود عباس وغيرهم رغم التحذيرات التي نقلناها للإسرائيليين بأنّ توجيه الضربات على الشكل الحاصل له مخاطر كبرى».
ترفض دول الغرب الحديث عن أفعال نتانياهو على أنها السبب، أو على أنّ سلوكه حيال الفلسطينيين كان جذرياً بتطرفه مقابل اتهام الحركة بالتطرّف. المفارقة أن الناطقين باسم المنطق الغربي يرفضون رد أسباب عملية «حماس» إلى سلوك نتانياهو ويعتبرون ذلك دفاعاً عن الحركة، سيجعل منها الناطق الوحيد باسم الفلسطينيين» بعد 7 تشرين الأول». لكن الحجة تسقط عندما يقول المدافعون عن الفلسطينيين والرافضون لما يحصل في غزة أنّ استهداف القطاع لا ينهي «حماس» بل يكرس دورها ويقضي على المدنيين. يقر الغربيون بصحة هذه الحجة المعاكسة لموقفهم لكنهم يعودون إلى تبرير الاندفاعة العسكرية الإسرائيلية، بتاريخ قادة الدولة العبرية المتشدد… والقرار في يدهم وليس في يد الغير. بل يذهبون إلى إعطاء الأمثلة عن فشل قمع الفلسطينيين و»الحركة» قبل 7 تشرين الأول، وبأن دخول القوات الإسرائيلية إلى مخيم جنين في الضفة الغربية لم يؤدّ إلى نتائج.
يقر الغربيون بأنّ بعض الأمور التي تحصل «غير ذكية» لكن يسلمون بأن على إسرائيل الرد، ويسلمون بذلك ويتعاملون مع النتائج، مهما كانت الانعكاسات على الصعيد العربي.
حسب الدبلوماسيين الغربيين لا أهمية للرأي العام العربي الغاضب حيال ما يقوم به الإسرائيليون، عند حكام المنطقة، وبالتالي يعتقد الدبلوماسيون أولئك أن بإمكان هؤلاء الحكام إدانة «حماس» من دون القلق حيال موقف الشارع، الذي يأخذ الغرب على الأنظمة العربية عدم مراعاة تطلعاته. هم يتهمون القادة العرب بالجمود من هذه الزاوية، فيما النخب العربية تنتقد تلكؤ حكامها في الضغط العملي لوقف المذبحة ولنصرة الفلسطينيين. حجة الغربيين أنه لا يمكن لبعضهم أن يقوم بالتطبيع مع إسرائيل ثم حين يحصل ما حصل لا يستجيبون.