IMLebanon

الجنوب تحت المجهر… والدولة أمام الإختبار الأصعب

 

 

إحتلت أحداث غزة وهجمات حركة «حماس» على المستوطنات الإسرائيلية صدارة الأحداث العالمية، فهي المرّة الأولى منذ عشرات السنين التي يُضرب فيها الداخل الإسرائيلي، بهذا العنف، ولن تقف تداعيات الهجمات على ردّ من هنا أو غارة من هناك، بل يترقب العالم ما سيحصل في الأيام والأسابيع المقبلة.

 

تطرح عملية غزة مسألة وحدة الساحات، وما إذا كان محور «الممانعة» سيهب لنجدة فلسطين أو أنه يستخدم شعار إسترجاع القدس للمتاجرة السياسية. وتُصنّف «حماس» ركناً رئيسياً في منظومة «الممانعة». ومن يراقب تصريحات قادة «الممانعة» في إيران أو ما يتلوه الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله أو بيانات النظام السوري، يُقدّر أنه أتى الوقت المناسب لفتح كل الجبهات أو بالأحرى توحيدها.

 

ومهما حاولت تل أبيب التقليل من أهمية ما حصل، إلا أنها تواجه أزمة حقيقية. وهناك رؤوس كبيرة ستحاسب بعد انتهاء هذه العملية، خصوصاً أنّ حجم الضحايا والأسرى يفوق تداعيات أي حرب. وفي لبنان هناك تخوّف بعد أحداث شبعا والاشتباكات المتقطعة وتبنّي «الحزب» القصف على المواقع الإسرائيلية، من أن يعلن نصرالله فتح معركة من الجنوب اللبناني تُدخل لبنان، البلد المنهار، في حرب غير محسوبة النتائج.

 

وتُفتح كل الإحتمالات على مصراعيها في دولة هشّة يُسيطر «حزب الله» على قرارها الإستراتيجي. ووفق معلومات أمنية، سارع الجيش اللبناني بالتنسيق مع «اليونيفيل» إلى الإستنفار ورفع الجهوزية إلى أقصى مستوياتها.

 

ويراقب الجيش والقوات الدولية الشريط الحدودي، والتخوف ليس من بعض المسيرات الراجلة التي تحصل أو بعض الفتيان الذين يجوبون الحدود على الدراجات النارية، لكن تأتي الخطورة من خلال التحضير لعمل أمني يمكن أن يجرّ البلاد إلى مواجهة كبرى.

 

ويحاول الجيش السيطرة على الوضع جنوباً على رغم بعض الخروق، ويحاول فعل المستحيل لئلا تقع البلاد في المحظور، علماً أنّ عملية «حزب الله» وقعت في شبعا، وليس على الشريط الحدودي الخاضع للقرار 1701. وإضافةً إلى محاولة ضبط الشريط الحدودي، يتركّز العمل على ضبط المخيّمات الفلسطينية ومنع تسلل أي عنصر أو مجموعة تحاول خرق التدابير الأمنية وتجرّ لبنان إلى مواجهة.

 

والخطورة تكمن في تفلت السلاح الفلسطيني داخل المخيمات وخارجها، خصوصاً بعد بيان «حماس» عن فتح الجبهات، ومن ضمنها لبنان، والبلاد لم تخرج بعد من المعارك في عين الحلوة. ولا يقتصر الخوف من المنظمات الفلسطينية، بل يصل إلى حدّ إستعمال الجنوب اللبناني صندوق بريد لتوجيه رسائل عابرة للحدود.

 

وإذا كان نشاط الأجهزة الأمنية يتركّز على مراقبة المخيمات وعدم السماح بالقيام بأي أعمال مخلّة بالأمن، تبقى الأنظار شاخصة إلى ما تريده إيران وما سينفّذه «حزب الله»، وهنا تكمن خطورة الوضع، فنشاط «الحزب» خارج عن سيطرة الدولة اللبنانية وضبطه لا يتمّ بالمعالجات الأمنية، بل يعتبر «حزب الله» ركناً رئيسياً في محور «الممانعة»، وإذا قررت إيران فتح الجبهات يلتزم هذا الأمر.

 

وفي القراءة السياسية، أرادت طهران توجيه رسالة كبيرة إلى تل أبيب ومن خلفها الولايات المتحدة الأميركية، والمسألة لا تقتصر على تحرير القدس أو خدمة القضية الفلسطينية، بل تتجاوزها إلى الدور الإقليمي في المنطقة وتحديد النفوذ الإيراني، وصولاً إلى المفاوضات النووية، وهذه الرسالة كانت الأقسى.

 

وتتفق الآراء على عدم قدرة إيران على الدخول في حرب شاملة مع واشنطن وتل أبيب وفتح جبهات غزة والجولان وجنوب لبنان، فالجيش السوري مكسور ولا يستطيع السيطرة على أحياء في حمص أو السويداء، والقرار السوري هو في يد موسكو فيما العلاقات الروسية – الإسرائيلية متطورة. من هنا لن تخاطر طهران في إدخال «حزب الله» في حرب شاملة مع إسرائيل، ويمكن أن تكون نهايتها مدمّرة، فـ»الحزب» يفاوض إسرائيل عبر الدولة اللبنانية على الحدود، والداخل ممتعض من تصرفات «الحزب» وضاق صدره بسياساته، وبالتالي الحرب مكلفة على الجميع. وفي انتظار ما ستحمله الساعات المقبلة يبقى الجنوب ساحة مفتوحة على كل الإحتمالات والإشكالات والرسائل الإقليمية.