IMLebanon

غزّة أو الحرب المضبوطة: لا مخرج إلا بالتسوية

 

المحور تحت قواعد الإشتباك.. والأزمة اللبنانية مكتومة في انتظار استعادة الخماسية نشاطها

 

تتأصّل الأزمة السياسية بفعل التطورات المتفجّرة المحيطة التي فرضت على لبنان أن يكون في حال من الإنتظار الثقيل. وهو إنتظار بات مرتبطا بمجموعة من التعقيدات الخارجية لا تبدو حلولها ناضجة، ولا يبدي المعنيون بها رغبة في حسمها. معنى ذلك أن المومنتوم الذي نشأ سابقا وفشل المسؤولون في التقاطه وتوظيفه وإرساء الحل المنشود بدفع عربي وغربي، بات متعذّرا أو يكاد، ما لم تعاود مجموعة الدول الخمس إبداء اهتمام الحدّ الأدنى بالحل اللبناني، وهو ما لم يتوفّر بعد تحت ضغط التطورات في غزة والانشغال بسبل إطفاء ما بدأ في 7 تشرين الأول.

يقود هذا الإستنتاج إلى حقيقة أن الأزمة إلى مزيد من التمدّد، فيما الإدارتان المجلسية والحكومية لا تبديان أقل اهتمام بتنفيذ الإصلاحات. وليس خافيا أن عرقلة إقرار القوانين الإصلاحية المطلوبة دوليا يرمي أساسا إلى نسف أي جهد يقود إلى الاتفاق مع صندوق النقد الدولي. كما ليس خافيا أن التغيير الذي حصل في حاكمية مصرف لبنان لم ينسحب على الأداء النيابي والحكومي. بمعنى أن النهج لا يزال على حاله باستثناء امتناع المصرف المركزي الى الآن عن تمويل الدولة (هو امتناع ليس كاملا، إذ لا يزال يموّل حاجات حكومية، وإن بسيطة مقارنة بالسابق).

ثمة مروحة من التطورات الإقليمية المرتقبة أو المنتظرة لم تتضّح بعد خلاصاتها، من شأنها إما أن تُكثر من نفحات التشاؤم لبنانيا، مع ما يعني ذلك من تعثّر إضافي في بدء مسار الحلول، أو تقود إلى نهاية قريبة للحرب. وربما يشكل كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله دلالة إلى اقتناع الجميع، إيران في المقدمة، بمخاطر توسع الحرب وبضرورة التوصّل إلى حلّ وسطي.

لكن في كلتا الحالين، سواء الحرب والتسوية، سيكون للبنان نصيب من التداعيات المرتقبة والمتوقّعة.

1-الأعمال العسكرية في غزة تتّخذ طابعا تصاعديا مع توضّح الخطة الإسرائيلية بتجزئتها إلى شمالي وجنوبي منعزلين عن بعضهما البعض، يتيح التفرّغ عسكريا لأحدهما قبل الإنتقال لاحقا إلى الآخر، في موازاة الضغط لتهجير أهل الجنوب وإخراجهم جماعات. بذلك، يصبح من الصعب توقّع المدد الزمنية للحرب ولا إلى ماذا ستنتهي. فالجيش الإسرائيلي يتوقّع حربا طويلة نسبيا، فيما تؤكد حركتا حماس والجهاد الإسلامي قدرتهما على صمود طويل أيضا، مع القدرة على الحد من خسائرهما البشرية، بما يؤدي حكما إلى حرب بأمد مفتوح ليست في صالح تل أبيب وستُنزل أذى كبيرا بجيشها. ومن نافل القول إن الحسم الإسرائيلي السريع يعني فرض خيارات دراماتيكية على قطاع غزة، ليس أقلّها تغييرات سكانية جذرية، وربما تحقيق الترانسفير. أما فيما لو نحتْ حماس والجهاد الإسلامي إلى فرض حرب استنزاف فإنهما ستخرجان في النهاية على قدر من النجاح، وهو عامل سيفرض حكما تغييرا نوعيا وربما استراتيجيا في طبيعة الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.

2-الإتصالات القائمة وعلى خطها كل من المملكة العربية السعودية وقطر وبريطانيا وتركيا والإمارات العربية المتحدة والأردن، والتي من شأنها أن تحدث إختراقا جديا في القريب من الأيام. وتظهر الأكثر جدية وساطة الدوحة التي استقبلت نهاية الأسبوع رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي ديفيد بارنيا في زيارة خُصصت لمناقشة الجهود الجارية لإطلاق سراح الأسرى لدى حركة حماس. كما استقبلت وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان تكريسا للدور التهدوي الذي لا تزال طهران تتمسّك به انطلاقا من عدم رغبتها حتى اللحظة في توسيع مجالات الحرب في المنطقة. ولا شكّ أن من مفاعيل هذا السلوك الإيراني الإنضباط الذي يحكم أداء من يُكنّون بالوكلاء في اليمن والعراق ولبنان، ونسبيا في سوريا.

3-الحوار الأميركي – الإيراني المستمرّ في سلطنة عُمان. صحيح أن جوهره الملف النووي، لكنه يشمل بالتأكيد نفوذ طهران في المنطقة إلى جانب مسألتي السلاح البالستي والدرونز، باعتبار أن التطورات، وخصوصا الحرب في أوكرانيا، أثبتت أن خطرهما لا يقلّ عن التهديد النووي.

٤-الوساطتان الرئاسيتان الفرنسية والقطرية على حالهما من الجمود، من غير أن يعني ذلك التسليم بالفشل. فالرئيس إيمانويل ماكرون لم يحسم بعد استئناف موفده جان – إيف لودريان مهمته اللبنانية لكنه على قناعة بضرورة تحيّن الفرصة والاستثمار في الضغط الناشئ من الحرب في غزة، من أجل بدء مسار الحل اللبناني. أما القيادة القطرية فلا تزال مبادرتها القائمة على الخيار الثالث، هي الأكثر صلاحا وقدرة على تحقيق الاختراق المأمول لبنانيا. وهي الأخرى تتحيّن الفرصة لكيّ تستأنف الوساطة. ولا يخفى ان الدوحة هي الأكثر قدرة على الإستشراف والتوقّع وتيسير الحلول، وفي جعبتها الكثير من أسرار الوساطات والتدخلات من أجل إنهاء الحرب في غزة، كما المونة السياسية وغير السياسية على الأفرقاء المعنيين مباشرة بالصراع.