أخشى ما يخشاه اللبنانيون أن تؤدي التطورات الميدانية المتسارعة على الأرض، إلى تجاوز معطيات خطاب الأمين العام لحزب الله يوم الجمعة الماضي، والذي أشاع جواً من الإطمئنان بعدم وجود قرار بالدخول في حرب غزة، مع إبقاء كل الإحتمالات مفتوحة، في قالب من الغموض، القابل للتفسير بمعانٍ وأهداف مختلفة.
تكلم السيد حسن نصرالله وكأن قرار الحرب والسلم بيده وحده، وأن العدو الإسرائيلي سيُسلّم بما تحمله التكتيكات التي يمارسها الحزب على الحدود الجنوبية، من نتائج سلبية وخسائر بشرية ومادية، دون اللجوء إلى ردود فعل تصعيدية، تتجاوز ما أصبح يُعرف مجازاً « قواعد الاشتباك».
وجاء الكلام بأن الحزب دخل الحرب منذ ٨ تشرين الأول، ليشكل إعلاناً غير مباشر بسقوط القرار ١٧٠١، مع كل ما يجره من تداعيات على مهمة اليونيفيل، التي تم تعزيزها بالرجال والعتاد بعد حرب تموز ٢٠٠٦، فضلاً عن وضع الجيش اللبناني، المنتشر في المواقع الحدودية، في إطار المواجهة مع العدو.
أشاع خطاب نصرالله سحابة إطمئنان فوق القرى الجنوبية، التي شهد بعضها حركات نزوح متفاوتة الكثافة والأحجام، ولكن أجواء التفاول سرعان ما إهتزت، بعد الإستهداف الإسرائيلي المتعمّد لسيارة مدنية ذهب ضحيته ثلاث فتيات مع جدّتهم.
الأمر الذي كشف أن العدو الغادر غير مُسلِّم بقواعد الإشتباك الحالية، وقد لا تبقى المناوشات اليومية بين جانبي الحدود على وتيرتها السابقة، خاصة بعد المبدأ الذي أكد عليه نصرالله في خطابه: المدني مقابل المدني.
من المؤكد أن إقدام العدو الإسرائيلي على فتح جبهته الشمالية مع لبنان سيكون مُكلفاً، ويزيد من خسائره العسكرية والمدنية على السواء. ولكن المتتبِّع لمسار الحروب الإسرائيلية، لا يُسقط من حسابه إحتمال أن يُقدم العدو على مثل هذه المغامرة المتهورة، إستناداً إلى «مغريات» التأييد الأميركي الأعمى لتل أبيب، رغم كل المجازر البشعة التي ترتكبها يومياً الغارات الإسرائيلية ضد الأطفال والنساء في غزة، بل ورغم تصاعد حالات الإحتجاج في المدن الأميركية والأوروبية ضد همجية الغارات الصهيونية على المدنيين في القطاع.
لا بد أن نأخذ في الإعتبار أن «نشوة» إنتصار العدو في حرب حزيران ١٩٦٧، على ثلاث دول عربية، مازالت تلعب في رؤوس بعض القادة العسكريين، الذين مازالوا يعيشون على «إسطورة الجيش الذي لا يُقهر»، رغم ما إصابه من وهن وإرباك في الأيام الأولى لعملية طوفان الأقصى.
وأصبح واضحاً أن حكومة نتانياهو تخوض الحرب الضروس ضد غزة، بهذه الوحشية غير المسبوقة ضد المدنيين، ليس بإمكانياتها الذاتية وحسب، بل بالعضلات الأميركية،عبر الجسور الجوية المفتوحة لنقل المعدات والصواريخ والذخائر إلى تل أبيب، فضلاً عن وجود البوارج وحاملة الطائرات المرابطة على شواطئ المتوسط، والتي تقوم بالدعم السيبراني والمخابراتي، مما دفع بأحد وزراء نتانياهو إلى المطالبة، وبكل صفاقة، بإلقاء قنبلة نووية على غزة، متجاهلا هول القصف الأميركي النووي على هيروشيما وناكازاكي في الذاكرة الإنسانية، وما زال يسببه من مآسي للشعب الياباني حتى يومنا هذا.
ويكفي هذا الوزير العنصري الأرعن أن يكون قد كشف عن إمتلاك دولته للسلاح النووي، وهو الأمر الذي طالما أنكرته الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة. ولكن فضح وجود القنبلة النووية في الترسانة الإسرائيلية، سيشكل مبررًا طبيعياً لدول في المنطقة، في طليعتها مصر والسعودية وإيران للسعي للحصول على السلاح النووي، ولو على قاعدة توازن الرعب مع الدولة الصهيونية.
إن التصريحات التي تصدر عن وزير الحرب الاسرائيلي، وبعض القادة العسكريين، بعدم رغبتهم فتح جبهة جديدة في الشمال، لا يمكن الركون إليها، لأن العدو معروف بممارسته كل أنواع الغدر، العسكري والأمني، سيما وأن بعضهم لا يخفي نوايا تل أبيب في إحتمال الإرتداد إلى مواجهة مع حزب الله، بعد الإنتهاء من معركة غزة، والتخلص من حركة حماس.. – كذاـ .
حرب غزة تجاوزت حدود القطاع المنكوب، وأصبحت تداعياتها ونتائجها تطال جغرافية الإقليم المطروحة في كواليس التسويات.