Site icon IMLebanon

البحث عن خيارات سياسية للحرب على غزة

 

 

لم تسفر الجولة الدبلوماسية الواسعة لوزير الخارجية الاميركي انطوني بلينكن والتي شملت اجتماعه الموسع مع وزراء خارجية الدول العربية الرئيسية في عمان، بالاضافة الى رئيس وزراء لبنان والتي الحقها الاجتماع برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في رام الله، واجتماعه لاحقاً برئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، عن اية نتائج أسوأ لجهة زيادة حجم المساعدات الانسانية لقطاع غزة او لجهة وقف عمليات «القتل الاعمى» التي تقودها اسرائيل ضد المدنيين في القطاع، وذلك تحت شعار القضاء على حماس. وهو الهدف الذي لا يمكن تحقيقه بسهولة، وقد يستغرق اشهراً عديدة، مع زيادة وتيرة القصف الجوي والبحري والبري، وبالتالي تدمير كامل مدينة غزة.

وفي الوقت الذي نجحت فيه اسرائيل بتطويق مدينة غزة، وبما ينذر بتكرار السيناريو الذي اعتمدته في حصارها لبيروت عام 1982 من اجل الضغط على المدنيين والمقاتلين من اجل دفع حماس للاستلام، والقبول بالخروج من غزة على غرار خروج مقاتلي منظمة التحرير من بيروت بقيادة ياسر عرفات. ويبدو بأن هذا السيناريو قد بدأ، كبديل لمغامرة الدخول الى غزة والانخراط في قتال مرير ومكلف مع حماس، وبالتالي المخاطرة بخسارة اعداد كبيرة من القتلى في صفوف قوات النخبة الاسرائيلية القادرة على خوض مثل هذه الحرب المتقاربة التي ستجري داخل المدينة.

 

تركزت محادثات بلينكن خلال هذه المفاوضات الصعبة على مجموعة من الاهداف اولها، حماية المدنيين الفلسطينيين في غزة، وزيادة حجم المساعدات الانسانية عبر ممر رفح، وتأمين خروج اكبر عدد من المدنيين الاجانب من القطاع، وتسريع المفاوضات التي تقودها قطر لإخلاء سبيل ما يزيد عن 200 اسير لدى حماس. وتحدث بلينكن عن امكانية البحث في توقف انساني قصير للعمليات، رافضاً اي بحث بوقف دائم لاطلاق النار، وذلك بحجة ان ذلك سيصب في مصلحة حماس، ولم يتجاوب بلينكن مع الحجج التي قدمها الوزراء العرب في اجتماع عمان، والمطالبة بوقف للنار، والتي عبّر عنها الوزير سامح شكري بقوله:«بأن الحجة بحق اسرائيل في الدفاع عن نفسها، لا تبرر اطلاقاً استمرارها في قصفها لقتل المدنيين». ويبدو بأن امر التوصل لوقف لاطلاق النار سيتطلب المزيد من الوقت، بالاضافة الى تكثيف المساعي العربية للضغط على واشنطن وهو سيكون الموضوع الاساسيي المتروك بحثه في القمة العربية الاستثنائية التي ستعقد هذا الشهر في المملكة العربية السعودية.

 

في هذا الوقت الذي تستمر فيه اسرائيل في استغلال الدعم الاميركي الذي تلقته من الولايات المتحدة ومن بعض الدول الاوروبية الرئيسية لتصعيد عملياتها ضد المدنيين في غزة، فإن القيادة السياسية الاسرائيلية لم تفصح عن رؤيتها السياسية لإنهاء الحرب، وبالتالي فتح الطريق للبحث في سيناريوهات جديدة لمنع تكرار ما حدث في 7 تشرين الاول، وتقرير مصير سلطة حماس على غزة. وتسهيل العبور من جديد لبدء مفاوضات سلمية، ويمكن ان تؤدي الى حل الدولتين، بضمانات دولية، من المفترض ان تفكر القيادة الاسرائيلية الآن بخطة تبدأ في اليوم التالي لوقف اطلاق النار لا تتوقف عند مستقبل السلطة في غزة، بل تتعدى ذلك لتتناول الوضع ايضاً في الضفة الغربية، والتي تشهد حالة من الغليان تحضيراً لانفجار كبير.

 

لكن لا بد لنا من تحذير اسرائيل من عدم اخذ الدروس والعبر من تجربة 7 تشرين اول، وذلك بالبحث عن اعتماد حلول قصيرة النظر، بالاستمرار في البحث عن خطط لتهجير سكان غزة الى سيناء، وبالتالي انزال «نكبة» جديدة بما يزيد عن مليوني فلسطيني، او العودة الى سياسة الاقتصاص الجماعي من سكان القطاع من خلال الاستمرار في سياسة الحصار البري والبحري والجوي، وحرمان السكان من الحصول على ادنى المستلزمات الحياتية، ويبقى في رأينا السيناريو الاسوأ الذي يمكن ان تعتمده الحكومة اليمينية الراهنة بالبحث باعادة احتلال كامل القطاع وحكمه بالحديد والنار، الامر الذي سيؤدي لمزيد من مشاعر الظلم والكراهية لدى الاجيال الجديدة، والذي سيهيئ حكماً الارضية لانفجارات جديدة، يرجح ان تكون بمثابة تجربة 7 تشرين اول أسوأ منها بمرات. ولا بد ان تدرك القيادة الاسرائيلية بأن مخططي ومنفذي هجمات 7 تشرين ليسوا من مواليد زمن النكبة الاولى، بل هم من الجيل الجديد للشعب الفلسطيني، وان ما فعلوه ما هو سوى تعبير عن المطالبة باستعادة الحقوق والكرامة الوطنية للشعبة الفلسطيني.

لا يمكن للقيادة الاسرائيلية ان تستمر في التصعيد في غزة لانها سترتكب بذلك المزيد من جرائم الحرب، ومخالفة قوانين الحرب وتخريب كل عمليات التطبيع، التي نجحت الادارة الاميركية في ارسائها بين اسرائيل وعدد من الدول العربية الهامة من خلال اتفاقات ابراهام، كما انها لن تخدم مصالحها في المدى البعيد مع مصر او المملكة الاردنية، هذا علاوة عن تخريب المساعي التي كانت مبذولة من اجل تطبيع علاقاتها مع المملكة العربية السعودية.

لا يمكن البناء على تحلي نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة بالواقعية السياسية او بالحكمة من أجل بناء خطة جديدة تنهي الصراع وتضع الاسس المطلوبة لتحقيق الاستقرار لاسرائيل ولغزة والضفة، كما تؤمن الاستقرار والامن لمستقبل يستعيد فيه الشعب الفلسطيني بعض حقوقه المسلوبة، وخصوصاً الحق بأن يكون له دولته المستقلة.

ومن هنا تبرز اهمية الدور الذي يجب ان تلعبه الولايات المتحدة لاستعمال كامل نفوذها في اسرائيل ولدى الجاليات اليهودية في اميركا من اجل التأسيس لمرحلة جديدة من المفاوضات تودي الى الاستقرار والسلام. ولا بد في هذا الاطار من البحث على اعتماد مرحلة انتقالية في غزة تحل مكان الفراغ الذي يمكن ان يحصل في حال انهيار سلطة حماس وخروجها من غزة تحت ضغوط الحصار على غرار ما حصل مع منظمة التحرير بعد حصار بيروت عام 1982، ولا بد من تعبئة هذا الفراغ من خلال السلطة الفلسطينية وقواتها الامنية، وبمؤازرة قوى مصرية واردنية وبمشاركة اوروبية، وخصوصاً على مستوى تأمين معابر من والى غزة.

اما على الجبهة اللبنانية فإن استمرار مراهنة بعض المتفائلين على النجاح في تفادي الانجرار الى حرب مدمرة من خلال تمسك حزب الله واسرائيل بقواعد الاشتباك المعهودة، فإن ذلك لا يشكل ضمانة لتجنيب لبنان مخاطر حرب مدمرة، تتوعده بها القيادة الاسرائيلية بين الحين والآخر. وان حالة التفاؤل التي سادت بين الخطاب الاخير للسيد نصر الله تقع في غير محلها، حيث تجاهل السيد كلياً ذكر وجود دولة لها حق السيادة على حدودها،  واكد بأن قرار السلم والحرب هو من حقه وبيده، وذلك بعد ان اعلن بأن الحزب بدأ مشاركته في حرب غزة منذ 8 تشرين اول، ويكون بذلك قد اعلن الغاء القرار الدولي 1701 بكل مندرجاته، ويكون بذلك قد ادعى حقاً لم يفوضه به الشعب اللبناني او دولته. ولا بد من دعوة السيد للتعقل واحترام حقوق اللبنانيين في حماية وطنهم وعدم تعريضه لمخاطر خارج كل الحسابات الامنية والاقتصادية التي يتطلبها قرار الحرب.