قصفوا وقصفنا، قتلوا وقتلنا، دمّروا ودمّرنا، وماذا بعد…؟
طبعاً، لقد حقّقت المقاومة الفلسطينية اختراقاً عسكرياً مذهلاً، رفَعها من تحت الأنفاق إلى المستوى العالي والعالمي، وهو كما قال الناطق باسمها يصلح لأنْ يكون أنموذجاً يُحتذى في النضال التحرّري.
ولكن، ما دامت المقاومة الفلسطينية لا تستطيع في الوقت الحاضر أن تحقّـق الإنتصار الكامل بفعل اختلال موازين القوى.
وما دام قادة العالم الإقليمي والدولي، كلُّهم جميعاً يُعلنون رفضهم الحرب وتوسيع دائرة انتشارها، يستبعدونها عن رؤوسهم، يتهيّبون نتائجها ولا يأبهون لهذا الأتون المتأجّج في قطاع غـزّة تتقطّع فيه الأجسام تحت وابلِ القصف وتراكم الركام.
فإنّ هذا النزف الدموي في غـزّة يُصبح هدفاً إسرائيلياً يعوِّض على إسرائيل خيبةَ الإنهزام، وتستكمل بـهِ تدمير مكتنزات الأرض والبيئة الحاضنة للمقاومة، فيما المقاومة تنشأ لحماية الأرض والشعب: فلا مقاومة بلا أرض، ولا أرض بلا شعب، وقيمة الأرض بمَنْ عليها، وإلاّ فهي كتلة جدباء من تراب.
إنّ حرب المراوحة الإستنزافية والمتواترة في قطاع غـزة، يخشى عند استمرارها أن تصبح حدثاً روتينياً مألوفاً فتفقد الصدى العالمي الذي يترّدد استنكاراً لها وتنديداً بها، فيما الإنتفاضات الشعبية المؤازرة اليوم قد انطلقت ثائرة في دول أوروبا وأميركا، حتى أنها طوّقت البيت الأبيض بغير المألوف من الألوف، واحتلّ ناشطون من اليهود تمثال الحرية في نيويورك مطالبين بوقف النار في غـزّة.
والملاحظ: أن هذا التمثال الذي كان هدّيـةً من الشعب الفرنسي إلى الشعب الأميركي قال عنه برناردشو: «إنّ تمثال الحرية موجود في الولايات المتحدة لأن الناس لا يقيمون التماثيل إلا للموتى…»
كلُّ حربٍ، مهما طال مداها واستَعر أُوارها، لا تستمرّ حتّى اللاّنهاية، ومهما كانت طبيعة الإنتصار والإنكسار فهي تنتهي بمعاهدة.
النبيّ: خاض الحرب وصولاً إلى السلم، وأحياناً حال دون الحرب بالسلم، عمَلاً بالآية القرآنية الكريمة: «إذا جَنَحوا للسلم فاجْنحْ لها…»
وقديماً: عندما قـرَّر الملك الإنكليزي هنري الثامن أن يعلن الحرب على فرنسا قال له مستشاره «كوليه»: «إنّ سلاماً ظالماً خيـرٌ من حربٍ عادلة…»
لا بـدَّ إذاً من مسارٍ تفاوضي: هذا الذي كلّما أطلّ برأسه أُطْلقتْ عليه النار.
منذ سنة 1993 عندما أَعلنتْ إتفاقية «أوسلو» قيام الدولتين بين السلطة الفلسطينة وإسرائيل رفَضها فريقٌ إسرائيلي وعُطّلت باغتيال رئيس الوزراء إسحاق رابين.
وسنة 1977 عندما قام الرئيس المصري أنور السادات بمبادرة سلام عربية – إسرائيلية رفضَها فريق عربي وعطّلها باغتيال أنـور السادات.
وسنة 2002 كانت المبادرة العربية للسلام التي أطلقها الملك السعودي عبدالله، فأطلَقَتْ عليها إسرائيل رصاصة الرحمة.
وحين لا تنتهي مسيرة الحرب بالسلم، تكون الحرب إذ ذاك: حرباً للحرب، مثلما هو الفـنّ للفـنّ ، وفنونُ الحروب مقتلةٌ للشعوب.
القضيّة العربية الإسلامية الأولى، وعلى مدى الغابر من الزمان كان ثقلها الأكبر على عاتق لبنان.
ومعركة الأمة العربية الإسلامية اليوم تُلقي بأثقالها الكبرى على حركة حماس في قطاع غـزة، وعلى حزب الله في «قطاع» لبنان.
وبعد … ماذا عن القمم التي تتراكم عليها الثلوج وسط الصحراء…؟
ماذا عن قمـة التعاون الإسلامي بعد مسيرة دامية من التصارع الإسلامي..؟
وهل سيكون للقادة العرب في قمـة الرياض موقف ضاغط حاسم في مستوى خطورة المرحلة، أو، ستُتلى علينا بياناتٌ تحمل الكثير من الدعاء والأكثر من الرثاء …
غداً، في مؤتمر قمـة الرياض سيظهر حجم العالم العربي في الميزان الدولي، وغداً … نرجو ألاّ نقول: كان لهم على أرض الرياض مؤتمر.