Site icon IMLebanon

«الضغوط» على تل أبيب مستمرة: واشنطن لم تطلب بعد وقفاً للنار!

 

 

يقود مسلسل الأحداث التي رافقت عملية «طوفان الاقصى»، وتحديداً منذ أن بدأ مسلسل المساعي توصّلاً الى هدنة انسانية وأولى محطات التبادل بين الاسرى والمعتقلين، الى انّ الضغوط الأميركية على تل ابيب ما زالت مستمرة وقد حالت دون توسيع نطاق الحرب الى ساحات اخرى وخصوصا في لبنان على رغم من المعاندة الاسرائيلية. لكن واشنطن لم تطلب بعد من تل ابيب وقفاً لإطلاق النار. وعليه، ما الذي يقود الى هذه الحصيلة؟

كشفت مراجع ديبلوماسية واسعة الاطلاع عن معادلة واضحة بدأت برصدها منذ فترة، وهي تتحكم بمجرى التطورات العسكرية والديبلوماسية، ومفادها انّ هناك مهلة أخيرة أمام القيادة الاسرائيلية لإنهاء عملياتها العسكرية في قطاع غزة بعدما طالت اكثر مما يتوقعها احد، أيّاً كانت النتائج التي حققتها سواء بالنسبة الى القيادة الاسرائيلية او الدول الداعمة لها وفي مقدمها الادارة الاميركية. وإن قالت القيادة العسكرية الاسرائيلية – التي طلبت اكثر من مهلة في الفترة الاخيرة – انّ العملية لم تستنفد ما اريد منها بعد، فإنّ مسؤولية ذلك تقع على عاتقها ولا يتحمّل اي طرف اقليمي او دولي مِمّن تفهّموا الدوافع اليها بعد السابع من تشرين الاول الماضي اي مسؤولية.

وفي ذهن هؤلاء الداعمين انهم لم يوفّروا وسيلة دعم لإسرائيل، وقد فتحت لها الجسور الجوية من اكثر من عاصمة ونقلت إليها ما أرادته من الاسلحة والصواريخ. لكن ذلك لم يعد متاحاً في الفترة الاخيرة وقد دَنت نهاياتها. فالرأي العام الدولي بدأ ينقلب على إدارات هذه الدول وحكوماتها نتيجة الفظائع التي ارتكبت في الأحياء الشعبية والمراكز الطبية والأطباء والمُسعفين، عدا عن استهداف الاعلاميين وملاحقة عائلاتهم، وموظفي الامم المتحدة والمؤسسات الاممية التي فقدت اكثر من 180 من طواقمها عدا عن استهداف مدارس وكالة «الأونروا» التي ترفع علم الأمم المتحدة الذي شكل رمزاً لحماية الآلاف من النازحين.

وقياساً على هذه الأجواء التي بدأت تتحكم بالوضع الميداني في قطاع غزة، فقد بدأت معظم الدول الداعمة لإسرائيل، وتحديداً الادارة الاميركية، تعاني من ردات الفعل الشعبية والديبلوماسية الرافضة ما يجري في حق المدنيين من دون ان تطاول «الارهابيين»، ومعها خصوصا الحكومات البريطانية والفرنسية كما الالمانية والكندية الى درجة لم تعد قادرة على تجاهلها، خصوصاً لجهة إخفاء الانعكاسات السلبية على صدقيتها تجاه شعوبها والتحوّل الى مسارات اخرى نتيجة إصرارها التاريخي على كل ما يندرج تحت عناوين حقوق الإنسان واللاجئين إبّان الحروب وغيرها من الشعارات الانسانية والاخلاقية. وهي مواقف وموجات بدأت تهدد مواقعهم، لا سيما على مستوى الادارة الاميركية التي دخلت مدار الانتخابات الرئاسية. وانّ ردات الفعل التي عبّرت عنها النقابات والهيئات الاعلامية ومجموعات من موظفي وزارة الخارجية وحتى في البيت الابيض قد بلغت الذروة بعدما عَلّت الصوت رفضاً لما هو معتمد من سياسات وتوجهات وصفت بالعمياء تجاه ما يجري.

وفي موازاة هذه الأجواء المختلفة واصدائها السلبية، لم يخف المراقبون حجم السعي الى التحوّل عن الدعم الاعمى للآلة العسكرية الاسرائيلية المتمثلة بحكومة الحرب ورئيسها بنيامين نتنياهو الذي ما زال يناور في مواجهة الضغوط الدولية والاميركية منها، خصوصاً الى درجة نجح فيها بنَيل مزيد من المهل الإضافية تجاه ما حظي به من دعم، مُكتفياً بالتجاوب مع مطالب هامشية. ومن هذا المنطلق سجل له تجاوبه المحدود مما هو مطروح من سيناريوهات اقتصرَت حتى اليوم دون التوسّع في الحرب لتطاول الجبهة الشمالية مع جنوب لبنان ولجم بعض الخطوات التي كانت متخذة لتهجير الفلسطينيين ونقلهم من شمال القطاع الى الأراضي المصرية والتخفيف من حدة العمليات العسكرية في الجزء الجنوبي منه.

وفي المعلومات المتداولة على نطاق ديبلوماسي واستخباري ضيّق، انه وفي مقابل الرغبة الاسرائيلية الجامحة بإفراغ شمال القطاع من سكانه، بنقل ما امكن من سكانه ليس الى الجنوب فحسب، إنما في اتجاه سيناء والأراضي المصرية، هناك رغبة فلسطينية تسرّبت الى قاعات المفاوضات في اكثر من عاصمة بأنها لم تعد تمانع في إخلاء المدنيين من مسرح الغزوة الإسرائيلية. وهي قالت انّ المقاتلين من حماس والفصائل الأخرى التي انخرطت في العملية الحربية باتت ترحّب بالخطوة ليتسنى لها ممارسة مزيد من العمليات العسكرية ضد قوات الاحتلال. ذلك انها وان تحققت ستكون قادرة على المناورة في عملياتها الدفاعية من اجل إنزال أشد الخسائر بالعدو. فالوجود السكاني المدني الذي ما زال قائماً في المنطقة المحتلة يعوق عملياتها ويحمي بعضاً من القوى التي غزتها.

على هذه الخلفيات ذكر تقرير ديبلوماسي سري انّ هذه المعادلة طرحت في اكثر من لقاء وخصوصا في اجتماعات مديري المخابرات في الدوحة عند التوغل في ملف تبادل الاسرى الذي طالت المناقشات في شأنه حتى الساعات القليلة الماضية. وهي معطيات قادت الى إقناع الاميركيين الى درجة دفعت بوزير خارجيتهم انتوني بلينكن الى إطلاق «لاءاته» التي رفعها في حفل افتتاح اجتماع «مجموعة الدول السبع الكبرى» التي انعقدت في اليابان عشيّة قمم الرياض. فهو عندما تبلّغ بمثل هذه الاجواء رَبطها على الفور برسالتين مصرية وأردنية ترفضان في المطلق أي «ترانسفير» في اتجاه اراضيهما، واعتبار مثيلاتها بمثابة «إعلان حرب». فقال عندها: «لا للترانسفير الفلسطيني» من غزة ولا «للاحتلال الاسرائيلي الدائم»، وهو ما اتبعه بقوله انها «منطقة كانت وستبقى أراض فلسطينية».

وإن توغّلت المراجع الديبلوماسية في حديثها عن محاولات التهدئة وتناولت ملف تبادل الاسرى، فقد كشفت المعلومات المتبادلة انها عملية جدية نالت حتى الأمس القريب اكثر من جلسة لحكومة الحرب الاسرائيلية والقوى الدولية المنخرطة في المفاوضات، وهي تعرف بدقة ما لدى كل طرف من هامش الحركة في ظل القبول المبدئي بعملية تبادل محدودة لا تتناول الاسرى جميعاً. وهي تتركز في المرحلة الاولى على مستوى تبادل النساء والأطفال الرهائن لدى «حماس» بنظرائهم في السجون الاسرائيلية وفق معدلات تتراوَح بما يساوي عدد الأسرى منهنّ ومنهم لدى «حماس»، بما يهدف الى تصفير السجون الاسرائيلية منهنّ ومنهم. وهو ما رفضه الجانب الاسرائيلي بعد تمسكه ببعض المعتقلات «الرموز» لدى الشعب الفلسطيني كما بالنسبة الى الخلاف حول مدة الهدنة التي تطالب بها «حماس» لإتمام العملية وحَدّدتها بخمسة أيام ولم يوافق بعد الاسرائيليون على هذا الاقتراح.

واللافت في هذه المرحلة من المفاوضات انّ «حماس» أثبتت قدرتها على اخفاء الاسرى عن الغزوة ولم تنجح اسرائيل في الوصول الى اي منهم، وهو ما دفعها الى القبول بتقسيط المراحل سعياً الى معرفة اي معلومة اضافية في الفترة التي تلي عملية التبادل الاولى لفك أسر ايّ منهم بالقوة بُغية استعادة شيء من هيبة أصيبت في الصميم.