IMLebanon

«غزيَة» وأتباع الغواية في لبنان

 

< «والله ما في منك يا أستاذ سلطان»!

قالها ضاحكاً.. وكرر وعده لي بـ «الحماية» الكاملة إذا قررت زيارة بيروت. هذا كان الوزير السابق رئيس حزب الوحدة العربية عضو محور الممانعة (هو يسميه المقاومة) وئام وهاب، الذي كان مقابِلاً لي في الحوار التلفزيوني الذي استضافه الصحافي مارسيل غانم في برنامجه كلام الناس وأذيع مساء الخميس الماضي.

لهذا الوعد قصة تلخص المأساة اللبنانية سأرويها لاحقاً، لكن لا بد من القول بداية إنني ترددت في قبول الدعوة للمشاركة في الحوار، حين عرفت أنه سيكون طرفاً فيه، وعزز هذا التردد نصائح بعض الأصدقاء التي تلخصت في أن السيد وهاب صاحب أسلوب عنيف في الحوار ويصل فيه التشنج أحياناً إلى إلقاء الشتائم والسباب لا كرجل دولة وإنما على طريقة شاعر العرب:

وما أنا إلا من غُزَيَّةَ إن غوَتْ ،،، غويتُ وإن ترشُدْ غزيةُ أرشدِ

ولا يظهر أن «غزية» التي يتبعها صاحبنا في وارد الرشاد، ذلك أن الغواية هي جزء أصيل من منهجها السياسي. وبالعودة لبعض لقاءاته المنشورة على اليوتيوب يتأكد ذلك، ومع ذلك قررت الذهاب والمشاركة في الحوار، موقناً بأن بالإمكان طرح وجهة نظري من دون الحاجة للتصادم.

وقصة الحماية تتلخص في أنني بدأت الحوار بمداعبة لمضيفنا الصحافي مارسيل غانم طالباً منه أن يهون علي بالأسئلة حتى لا أنزلق إلى ما يغضب السلطات العليا (جداً) في لبنان، فيوضع اسمي على قوائم ترقب الوصول كما حدث للزميلين الصديقين ابراهيم آل مرعي وعضوان الأحمري، بعد حوارهما الشهير على البرنامج نفسه، خصوصاً أن مارسيل غانم هو الآخر عرضة للمحاكمة، بتهمة المساس برموز الدولة. وهذا بالطبع يحدث في لبنان بلد الديموقراطية والحريات الذي يتيح للوزير وهاب نفسه أن يتهجم على القيادات العربية التي لا تتفق مع منهج «غزية» الغاوية، ويتيح له أن يصف رئيساً سابقاً للجمهورية بأنه «بدل ضايع».

لن أستغرب لو أن الوزير وهاب تراجع عن وعده لي بالحماية حين يقرأ هذا الكلام، فمجرد وعده بالحماية يعني أنه يستطيع أن يتجاوز السلطة القضائية في الجمهورية اللبنانية لو قررت (بناء على تعليمات من فوق) أنني خالفت أنظمتها في «المساس برموز الدولة» كما هي حال آل مرعي والأحمري، ومثل هذه التهمة تعيد لبنان إلى صفوفنا نحن الذين كنا نتهم بالتخلف وكبت الحريات، بل انها تهمة يتمنى الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن يتبناها الكونغرس لتحميه من سخرية وسائل الإعلام بدلاً من التعديل الأول على الدستور الأميركي.

كثيرون مثل الوزير وئام وهاب في الساحة السياسية اللبنانية، منهم المستتر ومنهم الواضح كصاحبنا، لذلك لم أستغرب أن يكرر تمجيده لحزب الله ولبشار الأسد ولتأكيده أن هذا الأخير باق في السلطة مرجعاً الفضل في ذلك إلى القيصر بوتين، وستجدونه في كثير من لقاءاته يؤكد أن الأسد لن يزول من السلطة إلى الأبد، كما لم أستغرب رفضه لفكرة نقاش نزع سلاح حزب الله فهذا خط أحمر لدى هذا المحور الغاوي.

الغريب كان في الإصرار على اجترار رواية أن رئيس الحكومة سعد الحريري كان مختطفاً في الرياض وأنه أجبر على الاستقالة، ويزيد على ذلك أن «حنكة» رئيس الجمهورية ميشيل عون هي التي أنقذت الوضع اللبناني، وهذا على رغم أن مفردات خطاب استقالة الرئيس حريري ومسببات استقالته وشروطه للعودة عنها تكررت في لقائه المباشر مع تلفزيون المستقبل، ثم في البيان الذي ألقاه في قصر بعبدا بعد لقائه برئيس الجمهورية، ثم في حديثه الأخير لمجلة «باري ماتش» الفرنسية.

مارسيل غانم بدأ الحوار بسؤال مشترك لكلينا حول من هو المنتصر في أزمة الحكومة اللبنانية، وعلى رغم أننا اتفقنا على عبارة أن لبنان هو المنتصر إلا أنه كان في العزة بالإثم يرى أن السعودية خسرت بسبب «التريث في الاستقالة»، وكنت أرى أن السعودية انتصرت لانتصار لبنان الذي التف حول رئيس حكومته بما يطالب به من إعادة ترسيخ سياسة «النأي بالنفس»، وعودة الحوار حول ضرورة نزع (أو على الأقل تحييد) سلاح حزب الله.

وفي إجابة على سؤال آخر، قال إن حزب الله سيسحب قواته من سورية ضمن شروط عدها وهي أن تنسحب السعودية وقطر وتركيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة (طبعاً لم يذكر روسيا ولا إيران)، وحينما سألته هل هذا موقف الدولة اللبنانية أم موقف إيران؟ لم يعط إجابة واضحة، بل قال إن هذا موقف «محور المقاومة» وهو بذلك يؤكد أن المحور يتصرف خارج سلطة الدولة وسيادتها، والغريب أنه بعد هذا وقبله يتحدث عن المساس بالسيادة اللبنانية لأن رئيس الحكومة اختار إعلان استقالته من عاصمة عربية بعيداً عن تهديد شحنات حزب الله التفجيرية التي أودت بحياة رفيق الحريري.

أليس سلاح حزب الله هو الذي اجتاح العاصمة بيروت ليفرض توجهاته؟ أليس سلاح حزب الله هو الذي عطّل الاستحقاق الرئاسي في لبنان؟ أليس سلاح حزب الله هو الذي حمى مقاتلي داعش في خروجهم من لبنان بصفقة أبرمها الحزب من دون الدولة والجيش؟ ثم إن سلاح حزب الله هو الذي بدأ حرباً عبثية مع إسرائيل تسببت في تدمير الطيران الاسرائيلي لكثير من مقدرات لبنان من شماله إلى جنوبه.

هذه الطبقة من السياسيين لا بد وأن تكون هي طبقة الغبار التي أشار إليها الشاعر المبدع شوقي بزيع في تعليقه (في نفس البرنامج) على فوزه بجائزة سلطان العويس للشعر، حين قال إن إزالة طبقة الغبار ستظهر ذهب الإبداع الكامن لدى اللبنانيين، وشوقي بزيع الذي سبق وأن توج بلقب شاعر عكاظ يستحق الحفاوة به مبدعاً، كما يستحقها مواطنه المخترع الشاب فؤاد مقصود الفائز بجائزة برنامج نجم العلوم الذي تحتضنه قناة mbc. هذه هي عواصم العرب التي تحتفي بالإبداع اللبناني وليست طهران.