تزداد أزمة انقطاع المحروقات في البقاع يوماً بعد يوم استفحالاً وتعقيداً لتدخل “نفقاً مظلماً ومخيفاَ”، بعدما تحوّلت طوابير السيارات المنتظرة أمام المحطات الى “طوابير اذلال اللبنانيين كافة من عمال وموظفين وجنود وأمنيين وإهانتهم من كيس عرقهم وتعبهم”، في كنف سلطة تمرست بلعب دور شرطي يشرعن التهريب ويحمي المهربين والسماسرة، ويقوم بتنظيم انتقال الصهاريج والآليات المجهزة لتخزين المحروقات وتهريبها عبر طرقات جبلية غير رسمية الى الداخل السوري برعاية امنية وحزبية من الجانبين اللبناني والسوري، فيما المواطن اللبناني تلاطمه أمواج العوز والفقر.
ففي مسلسل” الذل” ما زال مشهد صهاريج المحروقات المنتقلة يومياً على مدار الساعة من بيروت الى البقاع المقطوع منها، يطرح سؤالاَ أين تذهب هذه الصهاريج طالما 70 % من المحطات مقفلة، و30% تعاني شحاَ غير مسبوق فرض عليها نظام البيع بـ”القطارة”.
حتى أمس كان حصول البقاعي على 10 ليترات بالتسعيرة الرسمية انجازاً كبيراً، وبالتالي نشطت في القرى تجارة غالونات البنزين لتحدد بورصة تسعيرة المحروقات في السوق السوداء، سعر غالون سعة “9 ليترات” بـ 40 ألف ليرة، وسعر صفيحة المازوت 45 الف ليرة، هذه الأزمة تزداد تشعباً وتترك أثاراً سلبية على حركة الناس وأعمالهم، لتقنن تنقلهم وتفرض على المواطن اكلافاً إضافية موازاة مع رواتبٍ لم يطرأ عليها اي زيادة في ظل الغلاء الفاحش، فأدى في المقابل الى ارتفاع تسعيرة “السرفيس” استغلالاً لغياب النقل العام، ولعدم توفر مادة البنزين، كما أثر الوضع على وضع الكهرباء والمياه في القرى البقاعية، ومع انخفاض ساعات التغذية بالتيار الكهربائي التابع لشركة كهرباء لبنان، خفّضت المولدات ساعات التغذية لتخفيف مصروف المازوت لندرة وجوده وانقطاعه من غالبية محطات البقاع العاملة، وتهدد القطاع الزراعي للزراعات الصيفية التي تحتاج الى الري بواسطة مضخات المياه العاملة على المازوت.
عدا عن ارتدادات الأزمة على القطاع الصناعي لارتباطه ارتباطاً وثيقاً بالمازوت والكهرباء وبقدرة العمال على التنقل دون زيادة اكلاف.
تفند السيدة حورية المقيمة في راشيا، زوجة عسكري في الجيش اللبناني كلفة انتقال زوجها من منزله الى عمله مكان خدمته في طرابلس، قالت “نص المعاش صار اجرة طريق، كل مأذونية روحة رجعة بدو يحط 60 الف ليرة”.
حال سامر جميل الموظف لا يختلف، ليسأل عن النقل العام واهميته في هذه الظروف الاقتصادية الرديئة، ليردد أنه ليحصل على تنكة بنزين دفع ثمنها 70 ألف ليرة في إحدى محطات البقاع الغربي.
أما بخصوص انقطاع البنزين فيفند مصدر في إحدى شركات استيراد المحروقات لـ” نداء الوطن” أن إشكالية انقطاع البنزين في المناطق واختلافه بين منطقة واخرى يعود لعدة أسباب، اولاً لتراجع نسبة تسليم الشركات للمحطات اكثر من 65%، وبالتالي هناك حصص تسلم في مناطق على حساب مناطق اخرى، وقال “من الطبيعي أن تعاني منطقتا البقاع والجنوب من انقطاع البنزين بشكل فاضح، لأن هناك تجاراً معروفين لدى وزارة الطاقة والشركات الموزعة أنهم مهربون، يقومون بشراء حصص أكثر من 50 محطة في البقاعين الاوسط والشمالي وبالتوافق والتراضي مع أصحاب هذه المحطات، وذلك مقابل مربح 8 آلاف ليرة عن كل تنكة من دون ان يفرّغ الصهريج حتى في المحطة. وتابع المصدر، أيضاً أصحاب محطات بقاعيون لهم فروع في بيروت يأكلون من حصة البقاع ويفرغونها بمحطاتهم في بيروت.
وأكد أحد أصحاب المحطات في البقاع الغربي، “أن شركات التوزيع متواطئة مع التجار والمهربين على سرقتنا وسرقة المواطن، بدأوا يفاوضوننا عبر سائقي الصهاريج أن ثمن تنكة البنزين 48 ألفاً وسعر صفيحة المازوت 32 الف ليرة، فيما يسجل على الفاتورة السعر الرسمي”.
بدوره مصدر امني أكد لـ”نداء الوطن” أن تهريب المحروقات الى سوريا تراجع بشكل ملحوظ انما لم يتوقف، وشرح ان التهريب يتم بأكثر من اسلوب وبآليات مختلفة، منها عبر نقطة المصنع الحدودية الرسمية، حيث يعمل نحو 120 شخصاً غالبيتهم عاطلة عن العمل، فيتم تعبئة خزان السيارة بين الـ 4 تنكات والـ 5 تنكات سعر الواحدة 60 الف ليرة وتجاوز نقطتي الامن العام والجمارك اللبنانيتين ومخابرات الجيش بموجب اجراءات رسمية pcr، ليتم سحب البنزين في المنطقة الفاصلة بين الامن العام السوري واللبناني بمحاذاة حاجز الجيش السوري، وبيعها لاشخاص سوريين غالبيتهم من الامن السوري. وفي الهرمل عبر الدراجات النارية والدواب، أما الاكثر استنزافاً للاقتصاد الوطني الذي يعتمد على ادخال صهاريج، وأكثر من 40 فاناَ يعبرون يومياً عبر معبر القصر وحوش السيد علي، وللتمويه تم استحداث خزانات داخل الفانات لتهريب مادتي البنزين والمازوت، سعة الواحد تقدر بـ 5 آلاف ليتر كحد ادنى. ليختم المصدر: “القوى الأمنية تعلم جيداً ماذا يحصل على جميع منافذ التهريب وتعرف الاشخاص بالاسماء تجار واصحاب محطات استحدثوا خزانات في منازلهم في بدنايل وفي بعلبك والهرمل وفي عنجر وفي البقاع الغربي محميين بقوة السلاح، وأوضح المصدر الامني ان مكافحة التهريب ليست صعبة في حال رفع الغطاء السياسي عنها، وحالياً تتم حمايته من خلال صيغة ستة وستة مكرر.
صاحب سلسلة محطات في البقاع سمير صادر، يؤكد لـ”نداء الوطن” ان البقاع بحاجة الى رفع نسبة كميات المحروقات، لان ما يتم تسليمه لا يساوي 25% من نسبة استهلاكه في الأيام العادية، وهذا ما يزيد من الضغط على المحطات التي تستلم البنزين، وعن التهريب قال صادر “نسبة التهريب في منطقة البقاع الاوسط قليلة جداً موازاة مع باقي المناطق، في المصنع يوجد تهريب فردي من قبل بعض الاشخاص عبر الغالونات، ورفع حصة البقاع من المحروقات لا يعني انها ذاهبة الى التهريب، لان القطاعين الصناعي والزراعي وشركة كهرباء زحلة تشكل ضغطاً كبيراً على المحطات”.