موجة جديدة من ارتفاع الأسعار ستدفع قريباً نحو التضخم المفرط
إستطاعت سياسة الدعم العشوائية لغاية اليوم السيطرة على نسب التضخم. وعلى الرغم من ان نسبة استنزافها للإحتياطي وحقوق المودعين فاقت بأشواط مفاعيلها الإيجابية، فقد جنّبت 43 في المئة من موازنة الأسر “جنون” الأسعار. هذه النسبة التي تشكل تقريباً نصف ما تنفقه الأسر شهرياً ستبدأ بالانحسار تدريجياً مع دخول قرار تخفيض الدعم حيز التنفيذ.
تُظهر الاحصاءات أن مؤشر “المواد الغذائية والمشروبات غير الروحية”، الذي يمتص 57 في المئة من إنفاق الأسرة، ارتفع بنسبة 424 في المئة بحسب الإحصاء المركزي، فيما معدل زيادة أكلاف “السكن والصحة والتعليم”، التي تشكل النسبة الباقية من الإنفاق والمقدرة بحدود 43 في المئة، يبلغ 13.6 في المئة فقط. بيد ان رفع الدعم عن مادة المحروقات التي تدخل من ضمن فاتورة السكن، سيرفع الانفاق على الباب الثاني، وسيؤثر حكماً على بقية أسعار السلع في الباب الأول. الأمر الذي سيخلق موجة تضخمية جديدة.
البنزين سيتخطى 100 ألف ليرة
رفع الدعم عن البنزين تحديداً، كما تحدث كل من رئيس الحكومة ووزير المالية، أو تخفيض نسبته إلى 60 في المئة بدلاً من 85 في المئة، سيلزم أصحاب المحطات على تأمين 40 في المئة من ثمن الصفيحة بالدولار بحسب سعر السوق. الأمر الذي يرفع سعر الصفيحة إلى 85 ألف ليرة إذا احتسبنا سعر الصرف 11 ألف ليرة، أو 116 ألف ليرة، إذا احتسبنا سعر الصرف 15 ألفاً. هذا إذا بقي سعر برميل النفط بين 60 و64 دولاراً.
كما هو معروف فان ارتفاع سعر البنزين، سيطال مختلف السلع والخدمات نتيجة زيادة الطلب على الدولار أولاً وارتفاع أكلاف النقل والتشغيل ثانياً. وبحسب عضو نقابة أصحاب المحروقات في لبنان، جورج البراكس فان “مجمل الطلب اليومي في السوق السوداء على الدولار هو بحدود 4 إلى 5 ملايين دولار. وعليه فان زيادة الطلب بمقدار الضعف أو حتى اكثر لتأمين المحروقات، سيرفع سعر الدولار بشكل كبير، وسيحوّل الطلب عليه إلى “مزاد علني” الأمر الذي سيرتد سلباً على أسعار مختلف السلع والخدمات، وعلى قدرة المواطن الشرائية”.
الرغيف مهدّد كل لحظة
أول السهام ستصيب رغيف الخبز. فرفع الدعم عن البنزين سيؤثر حتماً على كلفة النقل أولاً، ومن ثمن على أسعار بقية المكونات التي تدخل في ربطة الخبز، نتيجة تأثرها بالنقل وبسعر صرف الدولار. إلا ان ارتفاع سعر البنزين “يبقى أقل تأثيراً على الرغيف من رفع الدعم عن المازوت الذي يشكل 13 في المئة من مجمل الكلفة”، بحسب نقيب أصحاب الأفران علي إبراهيم. وبرأيه فان “تلاعب سعر الصرف ارتفاعاً وانخفاضاً يترك تأثيراً خطيراً جداً، ويهدد باستمرار مختلف الصناعات”. فالمصانع الصغيرة التي لا تملك مخزوناً أو احتياطياً كافياً، تكون مجبرة على شراء المواد الأولية بشكل أسبوعي أو حتى يومي من الموردين. وفي حال انخفاض سعر الصرف كما حدث مؤخراً من 15 ألف ليرة إلى 11 ألفاً ستكون مضطرة إما للإبقاء على أسعارها مرتفعة فتخسر زبائنها، وإما البيع على سعر السوق، فتخسر رأسمالها. وعلى هذا المنوال تتأرجح الصناعات والحرف طلوعاً ونزولاً مع تغير أسعار الصرف بشكل سريع وحاد.
وقف دعم السلع
السلع والمواد الغذائية ستتأثر جميعها بتغير سعر البنزين. فالمحروقات تشكل، بحسب رئيس مجلس إدارة “سبينس” حسن عز الدين، “جزءاً من الكلفة المرتبطة بالنقل والمواصلات والخدمات اللوجستية التي تتحملها المؤسسات التجارية والصناعية”. وإذا كان قرار رفع الدعم لن يبدأ برأيه قبل 3 أشهر، وهو يتطلب بجميع الأحوال وجود حكومة أصيلة تأخذ القرار، فان الأول من نيسان سيشهد بدء رفع الدعم عن السلع والمواد الغذائية. وبحسب معلوماته فان “الدعم سيحصر بـ30 سلعة أساسية والتي حددت في حزيران العام 2020، وتشمل الحبوب والسكر وبعض أنواع الزيوت. وبالمقابل سيرفع الدعم عن المعلبات، والتونة، والشعير، والنودلز، والذرة، والفطر… وغيرها الكثير من الأصناف التي جرى دعمها في السلة الغذائية الثانية، والتي وصل عددها إلى حدود 300 صنف. وبرأي عز الدين فان “رفع الدعم لن يؤثر على الأسعار بشكل كبير في حال تمّت السيطرة على سعر صرف الدولار. وهذا ما يمكن التوصل اليه مع حكومة جديدة تبعث على الثقة الداخلية والخارجية، وتبدأ الاصلاحات وتأتي بالمساعدات. عندها لا يتفلت سعر الصرف ولا “تفلت” معه أسعار السلع والمنتجات من عقالها”.
دولار الاستشفاء سيزداد أيضاً
الإستشفاء الذي ظل حتى الأمس القريب مدعوماً، ولم تزد تكلفته بأكثر من 17.5 في المئة لغاية نهاية العام 2020 سيشهد قفزات كبيرة قد تتجاوز 50 في المئة. فالدولار الاستشفائي أصبحت كلفته 6000 ليرة. وحتى التسعير على أساس 3900 ليرة أصبح يشكل خسارة، بحسب نقابة أصحاب المستشفيات. وبرأي مدير عام مستشفى بشامون التخصصي د. معن هنيدي فان “رفع الدعم عن البنزين والمواد الغذائية سيزيد الكلفة بشكل كبير جداً. حيث ستعجز المستشفيات عن زيادة بدلات نقل موظفيها المحددة بـ 8000 ليرة يومياً. وراتب الموظف لن يكفيه للوصول إلى المستشفى في حال تجاوز سعر البنزين 70 أو 100 ألف ليرة كما هو متوقع. هنيدي يؤكد على ما قاله النقيب سليمان هارون إن “كل زيادة في سعر صرف الدولار في السوق الموازية بقيمة 1000 ليرة تزيد كلفة دولار الاستشفاء 500 ليرة”. ما يعني انه اذا كان الدولار الاستشفائي 4000 ليرة على سعر صرف 10 آلاف ليرة، يصبح 4500 ليرة في حال ارتفاع الدولار إلى 11 ألفاً. “هذا في ظل بقاء الدعم على المحروقات والمواد الغذائية كما هو اليوم”، يقول هنيدي. “أما في حال رفع الدعم فان الكلفة سترتفع أكثر بكثير، وتحديداً في ما يتعلق بسعر المازوت”. فالمستشفيات تعتمد على مولداتها الخاصة 20 من أصل 24 ساعة يومياً. وهي تتحمل أكلاف الاعطال وتغيير قطع المعدات بالدولار الطازج، أو بسعر صرف السوق. حيث ان أقل عملية صيانة تتجاوز تكلفتها 400 مليون ليرة، أو ما يعني 26 ألف دولار.
أمام هذا الواقع يبدو ان كل الطرقات تقود إلى الخراب. والحلول التقنية تبقى عاجزة عن تفعيل الاقتصاد واستعادة الثقة. والحل الوحيد هو بالخطة الشاملة التي تعيد هيكلة مالية الدولة والمصارف ومصرف لبنان والتعاون مع صندوق النقد الدولي لاعادة بناء الاقتصاد.