لا توحي التطورات السريعة المتصلة بالمواجهة في غزة، بأنّ طارئاً سيدفع محور وحدة الساحات، الى أن يشمّر عن صواريخه واستعداداته، لدعم غزة. وبالتالي ستبقى غزة وحيدة، لا بل أسيرة أو ضحية هذه المعادلة الصوتية، التي لم تطبق ولو لمرّة واحدة، منذ بدء إيران نشر نفوذها في لبنان وسوريا والعراق واليمن.
على هذا النحو تنضم هذه المعادلة، إلى شقيقتها أو أشقائها من المعادلات التي لا محتوى لها ولا وظيفة، إلا غسل الأدمغة وتوريط المراهنين، في رحلة دفع الخسائر الباهظة، التي تتكرر في كل مرة على نحو مستنسخ. جولة قتال، وخسائر بشرية، ودمار وصرخات استغاثة، ثم وقف لإطلاق النار.
الفرق في الجولة الجديدة التي سمّتها حماس «طوفان الأقصى»، أنّ المقاتل الفلسطيني، أثبت قدرته الفائقة على تحقيق اختراقات كبيرة، في جسم المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية، وأنّ التخطيط المحكم، والتدريب العالي، وإدارة العملية العسكرية، كلها صبّت لمصلحة حماس. لكن ما جرى على الأرض من انتهاكات وفظاعات، أفقد «الحركة» معركة الفوز بالوجدان الجماعي العالمي، وأكسب حكومة نتنياهو، فرصة ذهبية، ذلك على الرغم من الإذلال الذي تعرّضت له، كي تمارس الانتقام بأقسى وأبشع صوره، وما شاهده العالم في خراب القصف على غزة أمس، والمرشح لأن يستمر، كان استثماراً للوكالة التي أعطيت لإسرائيل، بأن تضرب من دون أن تراعي مشاهد الدماء والموت الناتج عن الغارات، وربما في وقت قريب الاقتحامات البرية.
بقيت غزة وحيدة إلى الآن، في معادلة وحدة الساحات، وسيتم التحقق في الأيام المقبلة، من صحة التهديدات التي أطلقها «حزب الله» بلهجة الخطوط الحمر، بأنّه ينتظر الاجتياح البري لغزة، كي يبدأ في مساندة غزة من لبنان. ترجمة معادلة الخطوط الحمر، تصل الى اعتبار أنّ هذه المواجهة، ستبقى من دون رد من «الحزب» إذا اقتصرت على الغارات الجوية، من دون التوغل البري. لكن مؤشراتها لا توحي بأنّ ما قام به «الحزب» بالمباشر في مزارع شبعا، وبالواسطة عبر مجموعة فلسطينية اخترقت الخط الأزرق، سيتجاوز الرسائل القصيرة، وأنّه سيصل إلى تكرار مغامرة حرب العام 2006 .
تعرف طهران بحكم الخبرة والتمرس بالوقوف خلف الخطوط الحمر، أنّ قدوم حاملة الطائرات الأميركية الى السواحل الإسرائيلية، ليس مجرد تهويل أجوف، بل هو فعل تحذير دائم، وتعرف أيضاً، أنّ دفع غزة الى مواجهة كبيرة، غير محسوبة النتائج، يمكن أن يبقى محاولة يتيمة، قادرة على تركها لمصيرها، فهكذا فعلت في الجولات السابقة، ولا مانع من تكرار التجربة، بأكلافها الباهظة على المقاتلين والسكان، وبتردداتها الصوتية الآتية من لبنان وطهران.
تعرضت بنية إيران العسكرية في سوريا للقصف سنوات طويلة، ولم ترد في الوقت المناسب. وفي هذه المواجهة الجديدة كان على غزة أن تعرف، أنّ طهران تدير المواجهة ولا تتحمل أكلافها، كما كان عليها أن تراقب صمت إيران على القصف الاسرائيلي لمواقعها في سوريا، لتتحين فرصة الرد من غزة، ولو سالت دماء فلسطينية غزيرة.