على أهمية اللقاءات التي عقدها رئيس الحكومة سعد الحريري في باريس، وما لاقاه من حفاوة من جانب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلا أن الدول المانحة وعلى رأسها فرنسا تريد من لبنان أن يساعد نفسه أولاً لكي يساعده الآخرون، ما يعني ضرورة التزام الحكومة بعملية إصلاح جدية لا مهرب منها، لكي يستفيد لبنان من مليارات «سيدر»، وهو ما سمعه رئيس الجمهورية ميشال عون من الرئيس ماكرون في نيويورك، وقبله الرئيس الحريري في باريس. بعبارة أوضح أن لبنان يخضع الآن لفترة اختبار جديدة، للوقوف على مدى جهوزيته للإيفاء بتعهداته للدول المانحة، لناحية العمل من أجل تسريع وتيرة الإصلاحات التي التزم بها للمجتمع الدولي، سيما في إقرار موازنة متقشفة وإصلاح قطاع الكهرباء، ووقف الهدر والحد من التهرب الجمركي، إضافة إلى اتخاذ الإجراءات التي من شأنها إصلاح وضع المالية العامة وترشيد الإنفاق في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها البلد.
ومن أجل الاستفادة من هذه الفرصة المتاحة أمام لبنان، فإن الرئيس الحريري عازم على أن تتولى حكومته القيام بالعمل المطلوب لإنجاز ما تعهد به لبنان للمانحين، حيث أن إقرار موازنة 2020 بات أولوية على ما عداها، بعدما باشر مجلس الوزراء بدراستها على مدى جلسات متتالية، انطلاقاً من الحرص على أن تأخذ هذه الموازنة في الاعتبار، ضرورة خفض النفقات بشكل لافت، بحيث تكون متلائمة مع الشروط التي وضعها سفير «سيدر» بيار دوكان الذي أشار في زيارته الأخيرة لبيروت، إلى أن أمام لبنان الكثير ليفعله على صعيد الاستجابة لمتطلبات المجتمع الدولي الذي ينتظر خطوات عملية على صعيد المسار الإصلاحي في لبنان، وهذه مسؤولية الحكومة التي يجب أن تستغل هذا الاستعداد الدولي لمساعدة لبنان، على أن تنفذ ما هو مطلوب منها في سياق الإصلاحات المنتظرة.
وبانتظار اتضاح طبيعة الدعم المالي السعودي للبنان، فإنه وبحسب ما تقوله أوساط وزارية لـ«اللواء»، فإنه يتوقع تكثيف حركة الاتصالات بين لبنان والمملكة العربية السعودية في المرحلة المقبلة، على صعيد اجتماعات اللجنة المشتركة للبلدين، وهو ما سيساعد على تفعيل قنوات التواصل والحوار بين لبنان والمملكة، بالتوازي مع زيارات متوقعة لمسؤولين سعوديين إلى بيروت، في إطار ترجمة هذه الاتفاقات التي يجري التحضير لها منذ وقت طويل، سعياً لتعزيز التنسيق بين البلدين الشقيقين، بعدما أبلغ كبار المسؤولين السعوديين الرئيس الحريري دعم المملكة الدائم للبنان، وهو ما تمت ترجمته في مؤتمر «سيدر»، إلى جانب مساهمات الدول الخليجية الأخرى التي ستحذو حذو السعودية في تقديم يد العون والمساعدة للبنان، بالرغم من الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة التي تواجهها .
وكشف سفير خليجي في بيروت لـ«اللواء»، أن «دول مجلس التعاون لن تتخلى عن لبنان الذي يعاني ظروفاً اقتصادية صعبة، لكن في الوقت نفسه فإن هناك مسؤوليات لا يمكن للقيادات اللبنانية تجاهلها، سياسياً واقتصادياً، لتأكيد وتعزيز الثقة العربية والدولية بهذا البلد الذي لا يزال يشكل واحة ديمقراطية وحرية في المنطقة، بالرغم من الأزمات التي تعصف به منذ مدة»، مشيراً إلى أن «فرصة سيدر قد لا تتكرر، ما يفرض على الحكومة اللبنانية القيام بما هو مطلوب منها على صعيد الإصلاحات التي تشكل أولوية يجب إنجازها في إطار خطة متكاملة لإصلاح مكامن الخلل، وإعادة تصويب البوصلة الاقتصادية، لإنقاذ البلد مما يعانيه على أكثر من صعيد» .
وأشار إلى أن «لبنان حاجة عربية أكثر من أي وقت مضى، بالنظر إلى العلاقات المميزة التي تجمعه بأشقائه العرب، وتحديداً دول مجلس التعاون الخليجي التي تستضيف أكثر من خمسمائة ألف لبناني، ساهموا في نهضتها وتطورها، وهذا الأمر زاد من الروابط الأخوية والتاريخية التي تجمع بينها وبين لبنان، الأمر الذي يؤشر إلى مرحلة إيجابية على كافة الأصعدة، سيكون لبنان المستفيد الأول منها، سيما بعد قرار رفع الحظر عن سفر الرعايا الخليجيين إليه، وهذه رسالة بالغة الأهمية عن مكانة لبنان وموقعه بين أشقائه»