بعد مبادرة الراعي شَعر رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أنّ من واجبات حزبه ملاقاة المبادرة عبر خطوات عملية تترجم نداء البطريرك، فكشف من مسقط رأس القديس شربل وفي احتفالية عيده بأنه سيكون لـ«القوات اللبنانية» في الايام المقبلة خطوات أساسية عملية في هذا الاطار، علماً أنّ البطريرك الراعي ومن نفس المكان والزمان والمناسبة من العام الفائت، كان قد طالبَ القديس شربل بأعجوبة «تشكيل الحكومة،» فتشكّلت! أمس لمّح الراعي الى أنّ فكرة «الحياد» راوَدته بعد الصلاة والتأمّل ربما بإيحاء ربّاني، فطلب شفاعة القديس شربل ليتحقق رجاءه. فهل يُستجاب وتتحقق أيضاً هذا العام «أعجوبة الحياد»؟
في المعلومات أنّ جعجع هو في حلقة تداول دائمة ومستمرة مع تكتل الجمهورية القوية ومع القيادة في «القوات اللبنانية» والهيئة التنفيذية منذ انطلاق فكرة الحياد، والفكرة التي تراود جعجع بحسب مصادر «القوات اللبنانية» هو كيف يمكن تطبيق مبادرة الراعي وتثميرها وترجمتها، إذ يعتبر جعجع أنّ الراعي وضع إصبعه على الجرح وعلى عمق الازمة عند إثارته مسألة تدخل في صميم القضية اللبنانية، وهي لا يفترض ان تكون مسألة خلافية لأنه منصوص عنها في ميثاق 43 وهي ليست مسألة مستجدة، بمعنى أنّ الراعي لم يطرح مسألة غير مطروحة بالاساس لأنّ الحياد جزء أساسي من كيان لبنان وفي كل مرة اهتزّ فيها هذا الحياد سقط الاستقرار. وبالتالي، يرى جعجع أنّ مسألة الحياد «هي مسألة وجودية سيادية كيانية استقلالية يُفترض إعادة إحيائها».
وفي السياق، تكشف مصادر «القوات» أنّ «تفكير القيادة اليوم ينصَبّ على كيفية ترجمة كلام الراعي الى خطوات عملية، ورئيس الحزب يحرص كثيراً على التدعيم والحفاظ على هذه «الجوهرة» التي طرحها البطريرك. وبالتالي، يجب ان تكون الخطوات مدروسة على غرار ما تفعله «القوات» دائماً بإتقان استثنائي من أجل عدم السماح لأيّ فريق سياسي في لبنان الإطاحة بما طرحه الراعي، وبالتالي من المفترض تحويل هذا الطرح الى كرة ثلج لبنانية داخلية تفرض إيقاعها وصولاً الى الحلول المطلوبة».
المعلومات تقول انّ «القوات» اليوم في مرحلة التفكير، ومصادرها تقول «انه لا يمكنها الحديث عن ماهية الخطوات المقبلة أو الكشف عن طبيعتها لأنّ القيادة والكتلة ما تزالان في سياق التفكير، ولكن العنوان الاساسي لهذا التفكير هو التشاور مع غبطة البطريرك صاحب المبادرة لأنّ «القوات» حريصة على ان تبقى هذه المبادرة في يد الراعي، لأنه طالما هي موجودة في يده طالما إمكانية تحقيقها تصبح متوفرة بشكل أكبر».
ولذلك تعلن مصادر «القوات» بأنها «ستُبقي حلقات التشاور مستمرة داخلياً مع تواصل دائم مع البطريرك، وستضع نفسها كفريق سياسي في تصرّف الراعي لترى ماذا وكيف يمكن ترجمة خطوته بشكل عملي، وكيف يمكن لها ان تُفيد هذا الطرح «لأنّ الراعي بنظرها وضعَ السقف والاطار والعنوان فيما «القوات» اليوم في صدد البحث عن الآليّات، وفي سياق تَشاور مركّز ومستمر عن الخطوات التي يجب اتخاذها والتي لا تحرج أحداً من الفرقاء لتثمر خطوة الراعي والسير بها صوب الخطوات العملية.
تبحث «القوات» اليوم في عدة أفكار تفضّل مصادر الحزب عدم التحدث عنها كي لا تُحرق، وهي في نقاش مستمر مع الراعي للبحث عمّا هو الأنسب لدعم طرحه، كما تضع اليوم نفسها في تصرّف البطريرك الراعي لتنفيذ هذه الفكرة التي تجسّد ثوابت «القوات اللبنانية» والكنيسة المارونية والسيادة الوطنية، وهي من ثوابت القضية اللبنانية للحفاظ على «الجوهرة».
وتؤكد مصادر «القوات» لـ«الجمهورية» بوجوب العمل على ترجمة طرح الحياد من دون الكلام عن الموالاة أو المعارضة لأنّ لكل طرف حساباته، بل بتوفير أوسَع إجماعٍ وطني على هذا العنوان الذي يحقق اهداف جميع اللبنانيين، لأنّ ما يطرحه الراعي أهدافه ليست انقسامية بين 14 آذار أو 8، معارضة او موالاة، بل الفكرة مطروحة على قاعدة انّ هناك مصلحة وطنية لبنانية في ظل الانهيار القائم وغير المسبوق في تاريخ لبنان.
رسالة السفير
من جهة أخرى، قرأ البعض مسارعة السفير الايراني محمد جلال فيروزنيا الى زيارة الديمان، بعد تصريح الراعي التوضيحي من بعبدا، رسالة أرادَ السفير إيصالها للراعي ولو انها جاءت في سياق زيارة بروتوكولية، لكنّ الهدف الاساسي منها، وفق هؤلاء، هو الالتفاف على طرح الراعي للقول إنّ ايران غير مستهدفة بطرح البطريرك، لأنها لو كانت كذلك لَما قصد السفير المقر البطريركي. لذلك، بنظر هؤلاء، فإنّ السفير حمل رسالة.
مصادر «القوات» تعتبر أنها غير معنية بأيّ رسالة توجّه الى الراعي، مؤكدة أنه لا يمكن استفرادها وحدها بتبنّي طرح الحياد الذي أطلقه الراعي، لكنها من جهة أخرى تلفت الى أنه لا يمكن لإيران المفاوضة في مسألة تعتبرها جزءاً لا يتجزّأ من مشروعها وعقيدتها، لأنّ الحياد بالنسبة للحزب هو خروجه من المعادلة الداخلية العسكرية وحصر القرار الاستراتيجي بيد الدولة، وبالتالي تكون ايران بذلك قد فقدت قدرة التأثير واستخدام لبنان كصندوق بريد في صراعها مع الولايات المتحدة وتل أبيب والرياض.
لذلك، تعتبر تلك المصادر «أنّ طرح الحياد يشكّل بالنسبة للحزب «مقتلاً» للسياسة التي اعتمدها وما زال… كما يفترض حزب «القوات» انّ مسألة الحياد بالنسبة لـ»حزب الله» غير قابلة للتفاوض».
ولكن في الوقائع، حتى اللحظة لم يدخل الحزب في حالة مواجهة مع هذا الطرح، وما زال يناور ويتذاكى ويتعامل معها بشكل سَلس مع صلابة في الجوهر لأنه لا يمكنه التخلي عن مسألة هي جزء من عقيدته ومشروعه الاقليمي… إلّا أنّ تصريح رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان ليل أمس قد يكون مؤشراً الى صدور قرار «البدء بالمواجهة».