منذ أشهر، يعمل حزب القوات اللبنانية على خلق حركة موازية لـ«17 تشرين»، يقودها رئيس الحزب شخصياً ولا تضمّ سوى حزبيّيه ومناصريه. تنشط هذه «الخلايا» في عين الرمانة والأشرفية، في انتظار «ساعة صفر ما»، وبهدف إعادة استنهاض شعبية معراب
لم تكن جولة رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، في الأشرفية عقب انفجار 4 آب، خطوة تضامنية وتفقدية حصراً. السير في ساحة ساسين، ولو لبضعة أمتار لا غير، أرادها جعجع رسالة الى باقي الأحزاب بأنه ليس واحداً من «كلّن يعني كلّن». يومها، كان ثمة محتجون في وسط بيروت، لكنهم مُنِعوا، وفق ما قالوا، من ملاحقة رئيس القوات وطرده، باستثناء إحدى المواطنات التي أطلّت من شرفتها صارخة في وجهه: «يا مجرم طلاع من هون (…) استقيل». وبالفعل، بدا جعجع على وشك الاستقالة، فقد أعلن من ساحة ساسين أن استقالة نواب القوات «في جيبهم»، مضيفاً إن «الاتصالات جارية مع كل القوى السياسيّة، بهدف تجميع عدد كبير من الاستقالات من المجلس النيابي خلال اليومين المقبلين». كان الموقف مربحاً له وخصوصاً أن من كان يصف الاستقالة بالعمل الساذج، بات يراها ضرورة بعد الانفجار، ولا سيما في أوساط المجتمع المدني. فالمجموعات الرافضة تماماً لانتخابات نيابية مبكرة بالقانون نفسه الذي يعيد الطقم نفسه في غياب أي ائتلاف معارض جدّي يشكّل بديلاً من السلطة، أصبحت في ليلة وضحاها مؤيدة للطرح. لكن ارتباطات رئيس القوات داخلياً وخارجياً، حالت دون إكماله «المفاجأة الكبيرة» التي وعد بها الناس بعد ثلاثة أيام على زيارته الأشرفية، بل زايد على نفسه بالطلب من النواب المستقيلين العودة عن استقالاتهم. وللمرة الأولى، تحدّث البعض يومها عن نزوح قواتي الى بيوت الكتائب وإلى المجموعات المدنية، نتيجة غضب المناصرين وخيبة أملهم. هكذا، قطع جعجع ما كان يمكن أن يجعله وجهاً مقبولاً في أوساط بعض المنتفضين.
فشل خطة جعجع في الإبقاء على قدم له بين المجموعات وقدم أخرى في السلطة، لم يؤثّر فعلياً على جمهوره باستثناء بضع حالات تعدّ على اليد الواحدة، يقول أحد المسؤولين القواتيين. ورغم أن رئيس القوات، «اندسّ» في الانتفاضة الشعبية بعد مضيّ أقل من 24 ساعة على اندلاعها، إذ دعا، يوم 18 تشرين الأول 2019، «محازبي حزب “القوات اللبنانية” ومناصريه للمشاركة بالتحركات الشعبية الجارية وفق منطق هذه التحركات وأجوائها، أي من دون شعارات وأعلام حزبية»، يؤكد المسؤول القواتي أن جعجع لم يكن يعوّل يوماً على «الانضمام الى شارع 17 تشرين»، بقدر ما تتركّز خطته على خلق 17 تشرين خاص به يقوم على «حماية الأمن المسيحي». وذلك تماماً ما دأب على فعله على مدى أشهر، إذ يرابط بعض الشباب على خط عين الرمانة – الشياح يومياً كما لو أنّ خطوط التماس لم تندثر يوماً. فيما يؤثر بعضهم افتعال المشكلات مع المنطقة المجاورة، لفرض وجودهم على الأرض وأمام السكان. الأمر نفسه يتكرر في ساسين. نصب القواتيون خيمة تزامناً مع انفجار المرفأ، الغرض منها بحسب ما يقول مسؤول جهاز الإعلام والتواصل في القوات شارل جبور، «متابعة الأمور الميدانية وتطمين الأهالي ومساعدتهم، كما أنها تلبي متطلبات العمل الذي تقوم به جمعية «ground zero» لإعادة ترميم الشقق المتضررة». فوجود القوات في عين الرمانة والأشرفية «غير مصطنع» وفقاً لجبور، بل هو «امتداد لوجود تاريخي قائم، وذلك أمر بديهي وخصوصاً في عين الرمانة، حيث يشكّل الحزب جزءاً لا يتجزأ من الأهالي، والمنطقة تاريخياً قوات». حجّة لا تستسيغها المصادر العونية. فمشروع معراب أكبر من مجرد عمل إنساني أو حراسة لمنطقة، لكنه تحضير لساعة صفر مفترضة يتم فيها اختلاق حادث أمني على الأرض، فيؤدي الشباب الدور المطلوب منهم وقتذاك. ليس تفصيلاً «تسكير ساحة ساسين عدة مرات منذ الانتفاضة، وقطع أوصال المنطقة بحيث يصبح الخروج منها والدخول إليها مستحيلاً، ولا المشكلات المفتعلة في عين الرمانة وما رافقها من توترات على الأرض وتأجيج للخلافات الطائفية». في خلفية التيار، دور القوات المطلوب أميركياً يقتصر على المنحى الأمني، فيما تستخدم بعض المجموعات المدنية لمآرب أخرى. وحتى اللحظة، نجحت معراب في إعادة تعويم شعبيتها في الأشرفية التي أسقطت مقولة الحزب الشهيرة خلال الانتخابات الماضية بأن «الأشرفية قوات».
أقصي رياشي عن ملفّ العلاقة بين القوات والسعودية الذي أعيد إلى بو عاصي
في سياق آخر، تعيد القوات تنظيم صفوفها الداخلية. منذ بضعة أشهر، أعادت نقل ملف العلاقات مع السعودية الى النائب بيار بو عاصي الذي كان يتولى هذه المهمة سابقاً، قبل أن يتسلّمها الوزير السابق ملحم رياشي. إقصاء رياشي من المسؤولية يطرح علامات استفهام، ولا سيما مع إبقائه مسؤولاً عن العلاقة مع دولة الإمارات. هل تم ذلك بناءً على طلب من الرياض أم أن المرحلة تتطلب وضع الحزبيين في الواجهة؟ يرى جبور أن «المسألة تتعلق بترتيبات حزبية داخلية وبتوزيع أدوار روتيني تقوم به معراب بحسب كل ملف. فلا شيء ثابت في القوات»، يقول، «وبو عاصي كان مسؤولاً عن ملف العلاقات الخارجية وليس طارئاً على الموضوع؛ ثمة مسألة تستدعي أن يكون هذا الشخص اليوم وليس ذاك ولا تتعلق أبداً بالإقصاء». قد يكون الأمر كذلك في ما خصّ رياشي، ولكن إبعاد الوزير السابق كميل أبو سليمان عن متابعة قضايا المالية العامة واستبداله بالنائب جورج عدوان يحمل إشارات بأن العلاقة مع أبو سليمان متوترة منذ بداية الانتفاضة، ولا سيما أن الأخير ضاعف نشاطه مع منظمة «كلنا إرادة» التي تمتلك صلات وثيقة بالإدارة الفرنسية. لاحقاً، عند استقالة الأمينة العامة لحزب القوات شانتال سركيس من مهامها، ضمّها أبو سليمان الى فريقه وهي تعمل اليوم معه في «كلنا إرادة»، علماً بأن أبو سليمان لا يزال يحضر اجتماعات تكتل القوات («الجمهورية القوية»)، وإن بصورة متقطعة. مجدداً، يؤكد جبور أن «وزير العمل السابق جزء لا يتجزأ من القوات وينسق كل خطواته مع جعجع، ويتفاعل مع كل ما يطلبه الأخير». ويشير جبور من جهة أخرى الى أن «أبو سليمان غير حزبي وتمت الاستعانة به نتيجة اقتناعه بطريقة إدارة القوات للشأن الوطني، فيما وجد فيه جعجع اختصاصياً مجتهداً وصاحب خبرة ناجحة». في كل الأحوال، «يلتزم الوزير بالسقف السياسي والوطني للتكتل مع احتفاظه بهامش بالطبع». أما رئيس الحزب، فيستشير ثلاثة في الملفات المتعلقة بالأمور المالية، تبعاً لكل قضية: «النائب جورج عدوان، الوزير السابق غسان حاصباني وأبو سليمان».