IMLebanon

جعجع… قاطع الطرق

 

يمتهن سمير جعجع قطع الطرقات، ولذلك هو قاطع طرق. قطع في الماضي الطريق على السلم الأهلي، واليوم يحاول قطع الطريق على التغيّرات الإقليمية وانعكاساتها في لبنان، كما قطع قبل عام ونصف العام الطريق على اللبنانيين وبالأمس على السوريين

 

بهراوات من الحقد، وحجارة من الجهل، اعتدى عددٌ من أنصار حزب القوات اللبنانية في منطقتي نهر الكلب وجل الديب، على سياراتٍ وحافلات تقلّ ناخبين سوريين أثناء توجّههم للمشاركة في الانتخابات الرئاسية السورية، في مقرّ السفارة في اليرزة. وبالتوازي، كانت مجموعات أخرى، تضمّ خليطاً من «متعصّبين» في بلدتي سعدنايل وتعلبايا، وعلى خط الساحل الجنوبي في خلدة والناعمة من بقايا مجموعات أحمد الأسير، تعترض أيضاً طريق السوريين، في عملٍ هجين من العنف والجهل، أنتج ما لا يقل عن عشرين جريحاً تعرّضوا للضرب بآلات حادة.

 

هذا المشهد، لم يأت من فراغ، إنّما من قرار تخريبي اتخذه رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع قبل يومين، وعبّر عنه أول من أمس بسلسلة تغريدات دعا فيها إلى طرد الناخبين الذين يقترعون لصالح الرئيس بشّار الأسد في الانتخابات، معطياً الضوء الأخضر لمجموعات الشغب للاعتداء على الأبرياء لمجرّد أنّهم يمارسون حقّهم في التعبير عن موقفهم السياسي. كلام جعجع، سرعان ما لاقاه بيانٌ تحريضي آخر من النائب السابق خالد الضاهر، صاحب بطولات التحريض على القوميين الاجتماعيين في حلبا، والتي أنتجت مجزرةً بحقّ 11 شهيداً عام 2008. الضاهر لم يتكف بالتحريض، إنّما لفّق موقفاً عن لسان مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتّحدة، إذ ذكر في بيانه أن المفوضيّة تطالب بقائمة أسماء الناخبين لتزيلهم من لوائح النازحين الخاصة بها، في محاولة لثنيهم عن الاقتراع. في المقابل، أكّدت الناطقة باسم المفوضية ليزا أبو خالد لـ«الأخبار» أن كلام الضاهر عارٍ من الصّحة، وأن «التصويت لن يؤدّي إلى فقدان صفة اللاجئ».

لا يمكن قراءة حركة جعجع، إلّا من ضمن سياق الخيبات السياسيّة التي تعرّض لها مشروعه في الآونة الأخيرة، محليّاً وإقليمياً ودولياً. ومن التأثير النفسي لمشهد الناخبين السوريين وما يعنيه الأمر من إعلان استفتاء على الشرعيّة الشعبية والدولية للرئيس بشّار الأسد، التي ظهرت من خلال فتح السفارات السورية مقراتها في العديد من دول العالم للناخبين، لا سيّما في دول الخليج وعلى رأسها الإمارات.

لطالما استند جعجع منذ خروجه من السجن في 2003، إلى تطرّف الموقف الخليجي، لكي يبني موقفه الهجومي على سوريا والمقاومة وإيران، مستفيداً من الرغبة الأميركية في التصعيد بالداخل اللبناني. ثم لاحقاً، تسلّح جعجع بالنازحين لابتزاز الدولة السورية بمواطنيها، وسعى، مع آخرين، إلى تخريب كل جهود عودتهم بالمواقف المتطرّفة كجزء من حملة الاستغلال الدولية بالسوريين في آتون الحرب. وهو أيضاً اشترك في دعم المجموعات الإرهابية، على الأقل إعلامياً، فيما يملك أكثر من طرف لبناني، معطيات عن علاقات ربطت أمنيين (سابقين؟) في القوات بمقاتلين من «جبهة النصرة»، لتمرير الأسلحة وتأمين أماكن آمنة لهم في عددٍ من المناطق الجبلية.

 

ليس تشبيهاً قاسياً مقارنة موقف «إسرائيل» من المتغيّرات الدولية والإقليمية وموقف جعجع

 

 

صحيح أن جعجع يمثّل ما تبقّى من تيار شوفيني لبناني – مسيحي متطرّف في الشكل ضد «الغريب»، لكنّه في المضمون يختار «الغريب» على هواه. فإذا كان الغريب معادياً لسوريا والمقاومة، فهو محلّ ترحيب، أمّا إن كان القريب مؤيّداً للمقاومة، فهو غريبٌ وخصمٌ وجب مهاجمته والتحريض عليه. تماماً، كما كانت علاقة جعجع بياسر عرفات نهاية الثمانينات: عداء للمقاومة الفلسطينية، ثم علاقات مفتوحة وتلقّي الأموال من حركة فتح عندما اشتعل الخلاف بين أبو عمار ودمشق. ومن لا يذكر دعوات جعجع لـ«حكم الإخوان»، ودفاعه عن «غزوة الأشرفية» وكلام مي شدياق عن أن «عودة النازحين السوريين لن تتمّ ولو على دمائنا»؟

بكل الأحوال، إن الأجواء الدولية والإقليمية، تجعل جعجع في موقفٍ متوتّر. فالاندفاعة العربية نحو سوريا بعد انتصارها على الإرهاب وثبات الدولة وتوسّع الغول التركي، يصيب جعجع بخسارةٍ كبيرة. كما أن الحوار الإيراني – السعودي المستمر بمعزلٍ عن مفاوضات الملفّ النووي الإيراني، والغضب السعودي على الرئيس سعد الحريري، تعني أيضاً سقوطاً لخطاب جعجع التحريضي ضد إيران وحزب الله، وتعني مستقبلاً تهدئةً في لبنان أو تسويةً بالحدّ الأدنى، لا مكان لجعجع فيها، لا سيّما في ظلّ خطوط الاتصال الجديدة بين الرئيس ميشال عون والمملكة العربية السعودية، بعد أن راهن جعجع على سقوط العهد في الشارع.

أما على أرض فلسطين المحتلة، فإن التحوّلات التي واكبت انتفاضة الفلسطينيين على كامل التراب الفلسطيني، والقلق الوجودي الذي تعيشه «إسرائيل» الآن، يعني أن كل الخطط التي بنيت على مرحلة ما بعد إعلان يهودية الدولة، قد تعرضّت لانتكاسة كبرى، فسقطت صفقة القرن بالضربة القاضية.

ليس تشبيهاً قاسياً، إن جرت مقارنة موقف «إسرائيل» من سلسلة المتغيّرات الدولية والإقليمية، وموقف جعجع، بحيث تبدو إسرائيل أكبر الخاسرين في الإقليم، ويبدو جعجع أكبر الخاسرين في لبنان.

من هنا، يمكن تفكيك سلوك جعجع أمس، وفي الأيام والأسابيع المقبلة، والنزعة التخريبية عنده. فلا شيء يمكن أن يوقف التحوّلات سوى فتنةً كبرى في لبنان، لا يبدو أن أحداً مستعداً لها غير جعجع، تماماً كما كان موقفه في العام 1994، عندما حاول قطع الطريق على مشهد استقرار ما بعد الحرب. ربّما برّأ المجلس العدلي جعجع من جريمة تفجير كنيسة سيّدة النجاة، التي اعترف العميل اللحدي جريس الخوري بوضع المتفجّرة فيها، لكنّه أدان رئيس القوّات بـ«تأليف عصابة أشرار». اليوم أيضاً، جعجع ألّف عصابة أشرار هدفها قطع الطرقات، قطع الطرقات على الناس وقطع الطرقت على التهدئة وقطع الطرقات لمنع التحوّلات الإقليمية من أن تنعكس على لبنان. وهي مارست أيضاً قطع الطرقات على مدى العامين الأخيرين مستغلةً حالة الغضب الشعبي. قد تردّ القوات اليوم بنفي علاقتها بما حصل بالأمس، إلّا أنها فعلت الأمر عينه طوال العامين الماضين بالتبرؤ من قطع الطرقات، حتى خرج قبل أيام الوزير ملحم رياشي وأكّد المؤكّد. فهل ننتظر رياشي بعد عام أو عامين ليكشف عن دور القوات في الاعتداء على السوريين الآمنين أمس؟