بين ليلة وضحاها وجدت «القوات» اللبنانية نفسها في موقع «المتّهم» بأحداث الطيونة، وبات رئيسها مطلوباً للاستماع إليه بصفة شاهد لدى مديرية مخابرات الجيش اللبناني، بعد أن أُبلغ لصقاً بالموعد المحدد للاستماع إليه اليوم بسبب تعذّر إبلاغه، ولكن هل سيحضر جعجع؟
كما في كل الملفات في لبنان تطغى السياسة على ما عداها، وبكل تأكيد لن يحضر جعجع الى وزارة الدفاع للاستماع الى إفادته، وإن حضر فستكون معجزة من العيار الثقيل.
بالنسبة الى «القوات اللبنانية»، تُشير مصادر قريبة منها، الى أنه من حق سمير جعجع عدم المثول أمام القضاء بسبب الاستنسابية في عمل التحقيق، والارتياب في وضعية القاضي فادي عقيقي، مشددة على أن البعض يسعى لخلق معادلة جديدة عنوانها «المساواة بين انفجار مرفأ بيروت والتحقيقات بشأنه، وحادثة الطيونة والتحقيقات بشأنها»، وبالتالي منع العدالة عن أهالي الضحايا خدمة لأجندات سياسية.
وترى المصادر القريبة من «القوات» أن استنسابية القاضي عقيقي تظهر واضحة من خلال مخالفة كل «الفيديوهات» التي انتشرت يوم الحادث، إذ تعامل مع المشاهد والسلاح واطلاق النار والاعتداءات وكأنها لم تكن، واتهم أطرافاً غير معنيين بما حصل، وربما أشخاصاً دافعوا عن أنفسهم أمام محاولة الغزو التي حصلت، مشيرة الى أن مسار التحقيق الطبيعي واضح وهو يبدأ من خلال استدعاء رئيس «حركة أمل» وأمين عام حزب الله للاستماع إليهما، ومن ثم رئيس حزب «القوات» سيكون جاهزاً لتلبية أي طلب استماع إليه.
وتعتبر المصادر أن ما يتعرض له جعجع اليوم سيزيد من قوته بالشارع المسيحي الذي لم ينس بعد مجريات عام 1994 ، يوم تم الاستفراد بجعجع وسجنه بقرار سوري – لبناني، مشيرة الى أن الزمن اليوم تحوّل، وما يجري سيكون مصدر قوّة لـ «القوات».
اليوم، بحال غاب جعجع يتعين على جهاز المخابرات أن يُبلّغ النيابة العامة العسكرية، التي تملك 3 خيارات، إما إعادة طلب الاستماع مجدداً، أو غض النظر عنه بشكل نهائي، وإما إصدار مذكرة بحث وتحرٍ، وتُشير المعلومات الى أن الخيار الثالث قد يكون الأقل حضوراً في هذه اللحظة.
وترى مصادر مقربة من الفريق الشيعي أن علاقة جعجع بالقضاء تخصهما وحدهما، فما يعنيهما هو العدالة فقط، مشيرة الى أن أي طرف له حقه في تقديم الدفوع التي يريد، وله أن يطلب إزاحة القاضي بسبب الارتياب المشروع، وله أن يتخذ أي إجراء قضائي يريده، ولكن لن تتغير نتيجة أن «الرأي العام اكتشف زيف ادعاءات البعض بخصوص القضاء»، مشيرة إلى أن زيفهم سيظهر أكثر عندما يهاجمون القاضي فادي صوان، وهو القاضي نفسه الذي ارتاب منه نواب «حركة أمل» في قضية انفجار مرفأ بيروت.
وتتوقف المصادر عند المساعي التي يقودها البطريرك بشارة الراعي لاحتواء نتيجة ما يجري، مشيرة الى أن الراعي مدعوّ لعدم التمييز بين تحقيق وتحقيق، وبين تنظيم وتنظيم، وبين طائفة وطائفة، مشددة على أن ظهوره بموقع المدافع عن طرف دون آخر وفئة دون أخرى يجعله طرفاً في النزاعات لا حكماً.
كذلك يهم المصادر التأكيد على مسألة أساسية تتعلق بالادعاء على عنصر بالجيش اللبناني، إذ إن البعض اعتبر الادعاء عليه ضربة للمؤسسة العسكرية، ولكن هذا غير صحيح على الإطلاق، خاصة بحال كان العسكري تصرّف من تلقاء نفسه وارتكب جريمة قتل، وهذا ما يجب أن تجيب عليه التحقيقات بشكل واضح، فبحال كان تصرفه فردياً يُحاسب، وبحال كان تصرفه بناءً على أوامر، فيجب أن يُحاسب من أعطى الأمر، وبكل الأحوال فإن المحاسبة تقوّي المؤسسة العسكرية لا العكس.