IMLebanon

جعجع بعد السعودية: أنا هنا..

مزهواً عاد سمير جعجع من السعودية إلى «معرابه»، بعد سلسلة لقاءات عقدها مع أمراء المملكة، ومع حليفه سعد الحريري. هذه المرة، بدا الرجل طاووسياً. لا سامي الجميل إلى جانبه في الطائرة، ولا قبله على جدول المواعيد.

وحده في الديوان الملكي يصول ويجول بين مكاتب المسؤولين السعوديين مستمعاً إلى ما في جيوبهم من معطيات إقليمية، قد تساعد بوصلته على قراءة الاتجاهات.. وتزيد من مقويات نبضه وخطابه.

أن يزور الرجل السعودية مرتين في غضون شهرين تشهد خلالهما المنطقة ولبنان وضعاً استثنائياً قد يغيّر وجهها للعقود المقبلة، فهذا يعني كثيراً بالنسبة للقواتيين. يعني أنّ قائدهم تكرّس حليفاً استراتيجياً للمملكة، وأنّه قادر على التواصل مع مسؤوليها من دون واسطة أو معية «تيار المستقبل»، وتحديداً الحريري، وأن موقفه لن يرمى في سلّة المهملات حين يبدأ الفرز الجدي لأبيض الأمور وأسودها.

وهذه الخلاصة قد تكون بالنسبة لهم، أشد أهمية من مضمون النقاشات والمشاورات التي أجراها الرجل مع مضيفيه، والتي شملت كبرى القضايا، وأصغرها: استيراد التفاح اللبناني على سبيل المثال.

وفق القواتيين فقد فلش «حكيمهم» الأوراق كافة أمام السعوديين، بدءاً بخارطة العلاقات الإقليمية التي يعاد رسمها على وقع الانقلابات الدموية في دول المنطقة، مروراً بالبركان المتفجّر في بلاد الشام والذي يرمي حممه الداعشية يمنة ويسرة، وصولاً إلى الرئاسة اللبنانية المعلقة على مشنقة الفيتوات المتبادلة والتي تنتظر «مراسم عفو» الحوارات العابرة للإصطفافات…

في المسألة الأولى، ترك سمير جعجع الرياض مطمئناً إلى أنّ الحراك غير المستقر مع طهران، لم يرسُ على برّ، ولا خوف من تهريبة تخرجه من «المولد من دون حمّص»، وتقلب الطاولة اللبنانية رأساً على عقب. لا بل تزداد ثقة القواتيين بأنفسهم بعد تأكيد المسؤولين السعوديين أمام جعجع أنّهم حريصون على تزويده بآخر المستجدات عن العلاقة مع إيران، سواء سلكت درباً مضطرباً أم استعادت عافيتها. وهي حتى الآن، كما وصفها السعوديون، لم تنضج بعد.

أما في ما يتصل بالوضع السوري، فقد سمع الرجل تأكيدات واضحة وصريحة بأنّ الرياض لن ترفع الرايات البيضاء وتوقّع على أي تسوية دولية إذا لم تكن مشروطة برحيل بشار الأسد من الحكم، ومن بعده يأتي الكلام.

لبنانياً، وهنا بيت القصيد، فقد عاد الرجل مرتاحاً لما وضع أمامه من معطيات. ثمة اجماع بين مضيفيه أنّ الرياض ستكون الظهير الإقليمي لقوى «14 آذار»، وهي ستقول نعم لأي اتفاق يسير به حلفاؤها، وهي عملياً تؤيد المبادرة التي أطلقها جعجع وعاد الحريري لتبنيها وتدعو لانتخاب رئيس توافقي.

بكلام آخر، يشعر قائد «القوات» بأنّه خطف الضوء الأخضر من الرياض بأنّ الأخيرة لن تقدم على أي اتفاق، أو لن تبارك أي اتفاق، قد يأتي برئيس جديد للجمهورية، إذا لم يمرّ هذا الاتفاق على «سكانر» معراب للتأكد من أنّه مطابق للمواصفات. وبالتالي لا خوف من جلوس نادر الحريري وجهاً لوجه مع حسين خليل، ولا خشية من تجاوزهما لكل مطبات الخلافات، للتلاقي عند تقاطع بعبدا.. طالما أنّ النهر سيصب في مجرى معراب. أقله هكذا يعتقد.

طبعاً، استعاد جعجع هذه المراجعة في لقائه مع الحريري، حيث قاما بجردة حسابات لكل تراكمات العلاقة، لا سيما في مراحلها الأخيرة بعد تعرضها لأكثر من عطب عضوي. ركّزا على مسار «14 آذار» ومصيرها، وما ينتظرها في الأيام المقبلة، وخلصا إلى ضرورة العمل على رصّ الصفوف واستنهاضها في أول فرصة، وتحديداً في ذكرى 14 آذار. كلاهما يريد ترتيب البيت الداخلي، وكلاهما يدرك أنّ المهمة باتت أصعب من أن تعالج بجلسة ثنائية أو بقرار واحد.. ولكن لا خيار أمامهما سوى لملمة الآثار.