بعد أيام من الآن، سيُتم «تفاهم مار مخايل» بين «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» عقده الأول. التفاهم الذي اعتقد الكثيرون أن مضمونه مبالغ فيه وأنه لن يصمد أمام الاستحقاقات التي تتطلب اصطفافات واضحة المعالم، أثبت أنه من طبيعة غير مياومة، وأثبت أيضاً أن الحياة السياسية اللبنانية أقل جذرية واحتقاناً مما تبدو عليه. وبعيداً عن المضمون، فإن شكل التفاهم فتح الباب واسعاً أمام قوى تتوزعها اتجاهات سياسية متنافرة لتقدم على خطوات مماثلة. ومن دون أدنى شك، شكّل المشهد في معراب قبل أسبوعين نسخة من نوع ما لما جرى بين «حزب الله» و «التيار»، بالشكل لا بالمضمون. هذه النسخة ليس مرجحاً أن تكتسب صفة الاصطفاف المجترح من قلب الاصطفافات الحالية، وهي أقرب الى الصفقة منها إلى الحلف أو التفاهم، صفقة عمادها رئاسة جمهورية للجنرال ميشال عون مقابل تعيينات وحصص لـ «القوات اللبنانية». مع ذلك، ما حصل تزامن مع التقارب بين «المردة» و «المستقبل» وأيضاً بين «الكتائب» اللبنانية و «حزب الله». ما هو التالي؟ خطوة من نوع ما بين «القوات اللبنانية» و «حزب الله»؟
العارفون يجزمون: الخطوة مستحيلة لأن الأمر لا يتعلق بالمواقف السياسية الداخلية التي راكمت تجارب تواصل بين قوى اتصفت علاقتها بالخصومة تاريخياً. إذ تطفو على السطح قضية اختطاف الديبلوماسيين الإيرانيين الأربعة الذين كان على رأسهم القائم بالأعمال محسن موسوي في تموز من العام 1982 على حاجز البربارة الشهير. الملف لم يُغلق ولا يبدو أنه سيُغلق في المدى المنظور. ومن المعلوم أن رئيس «القوات اللبنانية» كان قد أكد أكثر من مرة أن الديبلوماسيين قتلوا من دون أن يقدم الدليل على ذلك، فيما أقرّ الراحل إيلي حبيقة بوجودهم على قيد الحياة من دون أن يقدم أيضاً معلومات شافية. الموضوع عالق ولا يبدو أن الإيرانيين سيتجاوزنه، خصوصاً أنهم يضعون الملف بالكامل عند الإسرائيليين ويعتقدون أن الأخيرين يربطونه بملف الطيار الإسرائيلي المفقود رون آراد.
بمطلق الأحوال، يبدو أن زفة دخول «القوات اللبنانية» إلى الحياة السياسية «الطبيعية» التي تجاوزت برشاقة لافتة سِجلّها الأسود خلال الحرب الأهلية اللبنانية عندما تحالفت مع تيار «المستقبل»، وتجاوزت مآسي حرب الإلغاء مؤخراً، ستقف طويلاً على حاجز البربارة حيث فُقد الديبلوماسيون الإيرانيون الأربعة. وهذا ملف دولي بامتياز لأنه يتعلق بدولة ذات وزن وبديبلوماسيين تحميهم الأعراف والمعاهدات الدولية. لذلك، فإن حساباته ليست لبنانية البتة، وسوف لن تخالطه الليونة المبادئية.
يبدو أن جعجع سيقف طويلاً على حاجز البربارة ولن يعبر منه الى الحياة السياسية اللبنانية الطبيعية. وبدلاً من أن يسعى بعبث إلى شرب الشاي في حارة حريك يوماً ما، ربما من الأجدر به أن يشتري الفوشار ليُعينه على الانتظار الطويل على الحاجز.