IMLebanon

تباين معراب – عين التينة الرئاسي قطع أشواطاً بعيدة بري يُنعش مبادرته … وجعجع يعود الى المربّع الأول 

 

 

 

شيئا فشيئا يتبدى ان عامل الوقت لم يغير المواقف من الملف الرئاسي، وهذا ما ظهر في التوتر الأخير بين معراب وعين التينة على خلفية الحوار، فرئيس المجلس نبيه بري متمسك بمبادرته الحوارية، وقد أراد في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر ان ينعش المبادرة التي أطلقها بالدعوة الى حوار يليه عقد جلسة مفتوحة، ليأتي الرد الفوري من المعارضة ورئيس حزب “القوات” سمير جعجع، الذي ذهب بعيدا بالتصويب على الحوار، ووصفه “بالمفتعل”، معتبرا ان الطريق الى بعبدا لا تمر في حارة حريك وعين التينة.

 

التصعيد الأخير اكد ان التباين الرئاسي باق على حاله وفي المربع الأول الذي انطلق منه،  بالرغم من توضيح “القوات” ان لا استهداف شخصي لرئيس المجلس، وان التباين هو حول مقاربة الملف الرئاسي، فيما يؤكد المقربون من عين التينة ان وصف الحوار بالمفتعل لم يكن موفقا وفي المكان الصحيح، فإذا كان صحيحا ان الحوار لا يمر بعين التينة وحارة حريك، فالمؤكد ان الوصول الى بعبدا لن يكون إلا بالحوار من دون شروط و “فيتو” على أحد.

 

تظهر المواقف ايضا ان التباين الرئاسي قطع أشواطا لا عودة عنها، وليس سرا ان علاقة معراب – عين التينة اهتزت كثيرا في الأشهر ال١١ الأخيرة على خلفية الحوار، فـ  “القوات” على موقفها المتشدد في مسائل رفض الحوار وترؤس بري الجلسات، وهذا ما عرّض علاقتها برئيس مجلس النواب نبيه بري لانتكاسة قوية.

 

الرسائل العابرة من معراب الى عين التينة وبالعكس، تثبت ان تلاقي الطرفين وتفاهمهما رئاسيا بات مستحيلا، بعد ان اضحت “القوات” مؤخرا في الطرف المعارض دائما لخيارات عين التينة.

 

وبالعودة الى السنوات الماضية، سجلت علاقة مستقرة بين بري وجعجع لم تحصل فيها مواجهات قاسية ،على الرغم من الاختلاف السياسي الكبير . فالعلاقة المميزة بين معراب وعين التينة التي شكلت نموذجا يحتذى به في العلاقة السياسية بين محورين متناقضين، إذ كانت تجمع في الوقت نفسه بين المودة والخصوصية السياسية، فتلك العلاقة اختفت تقريبا وبدأت التباينات تظهر بين الجهتين، ومع ذلك وعلى الرغم من التباين الرئاسي الكبير، لا يتوقع كثيرون انقطاعا تاما او تدهورا دراماتيكيا لمسار العلاقة، فالتباينات الحالية على حدتها لن تؤدي الى انقطاع “الود” بالكامل.

 

المشكلة الأساسية بينهما “رئاسية”  حيال مفهوم الجلسات الانتخابية والحوار، من وجهة نظر عين التينة فالرئاسة لا يحركها إلا طاولة الحوار، ويتطلع رئيس المجلس الى تطبيق الآليات الدستورية . بالمقابل تصف “القوات” الحوار بالعمل الاستعراضي غير الدستوري، حيث لا جدوى منه، وتتهم رئيس المجلس بتعطيل جلسات التشريع بالدعوة الى الحوار، والجلسة الواحدة بدورات متتالية تنتهي بالتأجيل مع تعذر انتخاب رئيس.

 

على ان التباين العميق بين بري وجعجع لا يقف عند حدود الموضوع الرئاسي، بل يصل الى مقاربة المسائل الاستراتيجية في ما يتعلق بالوضع الجنوبي وتطبيق القرار ١٧٠١ ، اذ تعتبر عين التينة ان ممارسة الضغوط على المقاومة في منتصف المعركة الجارية أمر خطر جدا، ولا تروق عين التينة مساعي معراب لإجهاض الحوار.

 

ستاتيكو التناقضات بين معراب وعين التينة شاسع، وقد يكون اكثر من مجرد تباين ظرفي وتسجيل نقاط، لكن الطرفين ملزمان بالتلاقي والعودة الى التفاهمات الماضية، فـ “القوات” لديها حيثية مسيحية وتمثيلية واسعة لا يمكن تخطيها ، وبالمقابل لا يمكن لـ  “القوات” في خضم مواجهته المفتوحة مع حزب الله، ان يوسع دائرة خصوماته ويعادي الطرف الثاني من الثنائية الشيعية الذي يرأس السلطة التشريعية، والجميع يعلم الدور الذي يؤديه الرئيس بري في التوازنات السياسية.

 

وفي هذا السياق توقفت مصادر سياسية عند نقطة أساسية، فالرئيس بري يرفض الدعوة لحوار بمن حضر، بمعنى آخر لا يريد انجاز الاستحقاق الرئاسي بغياب مكون مسيحي فاعل لاعطائه البعد الوطني الشامل، على الرغم من ان تكتل “لبنان القوي” يمكن ان يؤمن الميثاقية ويسير بآلية معينة بغياب “القوات”، الا ان الواضح ان بري لا يرغب بقطع الجسور نهائيا مع “القوات” والعكس صحيح، فـ “القوات” على رغم التباينات لا يرغب بالتباعد القسري الذي فرضته الأحداث السياسية.