لا يساور كثرا أي شك في أن إعلان رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع الذي استبق اعلان الرئيس سعد الحريري اعلان تأييده ترشيح النائب سليمان فرنجيه بتأييد ترشيح العماد ميشال عون، يراد منه أن يغير هو بالذات قواعد اللعبة ويظهر قدرته على ذلك، وقد تمثلت في إمكان أن ينتخب فرنجيه بأكثرية في مجلس النواب. وبدلا من أن تظهر مبادرته كرد فعل على ما سيقوم به الحريري، فإنه لجأ الى إحراج الاخير عبر وضع حلفائه أمام أمر واقع يتعين عليهم التعامل معه على أساس أن التحالف بين قوتين مسيحيتين اساسيتين يشكل غالبية التمثيل المسيحي وما يعنيه من توحيد لموقفيهما ينبغي ان يحمل الآخرين على أخذهما في الاعتبار وعدم تجاوزهما الى مبادرات أخرى، وفي مقدمها إمكان ترشيح فرنجيه، لأنه باعلان جعجع تأييده ترشيح عون فإن الاثنين وضعا نفسيهما في خانة معارضة ترشيح فرنجيه. فمسألة توحيد الموقف بين “التيار الوطني” و”القوات اللبنانية” تشكل عنوانا بارزا لمصالحة تاريخية تتقدم كل العناوين الاخرى، ومن الصعب ان يظهر الآخرون رفضا لها او اعتراضا عليها، على رغم أن الاعتراض سيكون على تأييد ترشيح عون وليس على الوحدة المسيحية. لكن هذا العنصر الاخير قد يستدرج الموضوع ككل وليس مجرد جزء منه. وتاليا، قد يجد حلفاء جعجع خصوصا أنفسهم في وضع محرج إزاء اظهار موقف معارض لزخم المصالحة المسيحية، على أن يكونوا مطالبين بغض النظر عن أسباب هذه المصالحة وخلفياتها في الوقت الراهن، والتي استفزها إمكان ترشيح فرنجيه. والمفارقة في هذا الاطار ان البعض رأى أن زيارة الرئيس فؤاد السنيورة لبكركي جاءت في غير موقعها في هذا التوقيت، على رغم ان الرسالة التي وجهها من أمام البطريركية المارونية واضحة، وتتلاقى مع ما سبق أن أعلنه البطريرك الماروني نفسه من ان رئاسة الجمهورية لا تتعلق فقط بالمسيحيين، بل تخص اللبنانيين، ولكن في نهاية المطاف فإن رئيس كتلة “المستقبل” قد يظهر وحده مغردا خارج السرب المؤيد للتوافق المسيحي، لاعتبارات متعددة متى أدرجت الامور تحت هذا العنوان وتم استغلالها من هذه الزاوية بالذات. ويعتقد هؤلاء المراقبون ان الخطوة الاستباقية بترشيح عون، على رغم انها رد فعل على احتمال دعم الحريري ترشيح فرنجيه، يفترض ان تعطل أو تلغي كليا هذا الاحتمال الاخير، ما لم يرغب الحريري في أن يظهر على الاقل ظاهريا ضد إجماع فريقين مسيحيين بارك البطريرك الماروني توافقهما، وما لم يرغب في الدفع قدما في التصارع داخل قوى 14 آذار، وتاليا فرط عقدها الذي بات في الواقع في خبر كان، على رغم الهبة التي استفزها إطلاق ميشال سماحه. والواقع أن المفارقة بالنسبة الى المراقبين المتابعين أن جعجع الذي عطل مبادرة الحريري الاولى على الصعيد الداخلي، وكان المحفز لمعادلة ضرورة التوافق بين المسيحيين في ما بينهم حين كان الحوار قائما بين الحريري وكان رافضا ان يأتي عون رئيسا، بادر الى تعطيل المبادرة الثانية المفترضة او المقررة للحريري، أي ترشيح فرنجيه، من خلال العودة الى ترشيح عون باعتباره يتمتع بافضلية على فرنجيه،مما يعكس علاقات متباعدة كثيرا بين الحريري وجعجع من الصعب اعادة رأبها في سياق موضوع رئاسة الجمهورية.
وما يطغى أكثر حتى الان من موضوع المصالحة التاريخية بين عون وجعجع، على أهميته وإلحاحه، هو موضوع تأييد ترشيح جعجع لعون وحساباته، لان المصالحة تظللها اعتبارات ترسم علامات شك كبيرة حولها حتى الان، ولم تكن قابلة للتصديق على رغم توقيع اعلان النيات، لان مواقف عون لم تتغير، على الاقل التزاما لورقة اعلان النيات على الصعيد الوطني والمؤسساتي في الاشهر الماضية. فباعلان جعجع تأييد دعمه ترشيح عون، من غير المستبعد أن يؤدي ذلك الى تغيير قواعد اللعبة، على رغم انه من غير الواضح ما إذا كان ذلك يمكن ان يؤدي الى انتخاب عون او لا، اذ ان الأمر يبقى رهنا بعوامل عدة تتصل بالحليف الاساسي لعون، أي “حزب الله”، وما اذا كان سيضغط في اتجاهات اخرى من اجل دعم انتخاب مرشحه هو في الاساس، على نحو يمكن ان يخرج الرئيس الحريري من المعادلة الداخلية، علما ان الاخير كان اول من فاتح عون في إمكان دعم ترشيحه. لكن الاعلان يقوض امكان ترشيح فرنجيه لجهة رفضه من كتلتين مسيحيتين هما الاكبر لدى الطائفة المارونية. في المقابل، وعلى رغم اقتناع مراقبين كثر بأن الاعتبارات والحسابات الشخصية والسياسية هي التي تقف وراء المواقف المستجدة الآيلة الى دعم ترشيح عون، كما أدت دورا في امكان ترشيح فرنجيه، فإن ثمة اسئلة تتصل بالتوقيت الذي لا يفصله مراقبون كثر عن التطورات الاقليمية. فكما ان اطلاق ميشال سماحه لم يفصله كثر عن تداعيات وضع اقليمي معين وكان يفترض من حيث المبدأ ان يرجئ اعلان تأييد جعجع ترشيح عون المقرر منذ بعض الوقت، فإن تداعيات انطلاق رفع العقوبات عن ايران والانطباعات التي يخلفها في المنطقة جنبا الى جنب مع التغييرات التي طرأت على الملف السوري على اثر تدخل روسيا عسكريا في الحرب السورية، تترك المجال رحبا امام حسابات جديدة قد يكون اجراها رئيس حزب “القوات اللبنانية”، خصوصا متى كان ترشيح الحريري لفرنجيه يعد جزءا من اخذ التطورات في المنطقة وانعكاساتها على لبنان في الاعتبار.