هل يفترق الحريري وجعجع؟
كما لو أن الزمن توقف عند «القوات اللبنانية». ما يزال القواتيون غير قادرين على تخطي لحظة سماعهم باللقاء الذي جمع الرئيس سعد الحريري بالنائب سليمان فرنجية. ألم «الصفعة» التي تلقوها من حليفهم الأول لحظة حسم أمره بتأييد ترشيح فرنجية لم يخف.
في «القوات» ذهول مستمر من سبب تخريج مسألة تأييد فرنجية بهذه الطريقة التي «لا يعقل أن تكون جدية». بالشكل والمضمون، هي أقرب إلى «المزحة»، بحسب مصدر قواتي، لم يفهم بعد كيف يتخلى الحريري عن مرشحه للرئاسة من دون حتى أن يتشاور معه.
في الخلوة التي عقدتها «القوات» لم تحسم طريقة الرد على ترشيح فرنجية، لكن الأكيد أن «الحزب» حاسم في رفضه التصويت له، أو حتى البحث بالمسألة. أما ما يحكى عن طلب قواتي لزيارة الرياض، فترفضه مصادر «القوات» بشدة، فيما لا تنفي ولا تؤكد دعوة السعودية لزيارتها. لكن في كل الحالات القرار «القواتي» واضح: «لم نكن معنيين بطرح اسم فرنجية.. ولن نكون معنيين بالبحث في المسألة مع أحد».
طبيعة رد «القوات» على «صفعة الحليف» ما تزال غير واضحة. قلب الطاولة، من خلال ترشيح العماد ميشال عون مطروح جدياً، لكن القرار بشأن هذه الخطوة لم يُحسم بعد، بالرغم من أن النقاش السياسي مع العونيين يسير على قدم وساق. صحيح أن دونها الكثير من المحاذير التي يدرسها «القوات» جيداً، لكن جعجع يعرف أنه في موقع رد الفعل على فعل الحريري، وبالتالي، فإن كل ما يقدم عليه له مبرره المسبق. هذا لا يعني أنه يبني موقفه على الكيدية، بل على حسابات سياسية دقيقة. ولذلك، يدرك «القوات» جيداً حجم الانقلاب الذي يمكن أن يتحقق، إذا سار بخيار عون، لا سيما في علاقته مع حليفيه الداخلي والإقليمي، لكنه يعتبر أنه عندما يتخذ قرارات استراتجية تسقط كل المحاذير. في رصيد «القوات» دليل على أنه لا يكترث إلى العواقب عندما يتخذ قراراً يؤمن بأنه يجب أن يأخذه. لذلك، هم يدعون الجميع إلى أن يتذكروا أن جعجع انسحب من حكومة في العام 1992، بالرغم من معرفته أن الكلفة ستكون غالية.
ما يزال جعجع يضع انتخاب عون في كفتي الميزان. أيهما ستثقل، كفة الحسنات أم كفة السيئات؟ في السيئات التي يأخذها «القوات» بعين الاعتبار، إعطاء شرعية مسيحية شاملة لـ «حزب الله»، من خلال دعم مرشحه الأول، أي عون، من قبل «القوات» و «الكتائب» (لن يكون قادراً على الخروج عن الإجماع المسيحي). لكن في المقابل، فإن «القوات» يدرك جيداً أن وصول عون إلى رئاسة الجمهورية سيعني تثبيت قاعدة المسيحي الأول في المنصب الأول، أسوة بالمذاهب الأخرى، من دون نسيان الإنجاز الذي يضرب به عصفورين بحجر واحد: إزاحة غريمه الأول، أي فرنجية عن الكرسي الرئاسي، وكسر مساعي «المستقبل» للتفرد بقرار «14 آذار». لكن الأهم من كل ما سبق أن خطوة من هذا النوع ستعني تغيير اللعبة السياسية جذرياً، فهل يحملها «القوات»؟
قبل الوصول إلى تثبيت أي شرخ بين قوى «14 آذار»، وصلت أكثر من رسالة ود من اجتماع الرياض الذي عقده أركان «المستقبل» مع الحريري. العائدون من الرياض حملوا معهم سؤالاً محورياً لـ «القوات»: هل ستقاطعون جلسة الانتخاب؟ وقد حسمها الأخير باكراً وكررها على مسمع كل من التقاهم أو تواصلوا معه: النزول إلى الجلسة هو أمر مبدئي لا يمكن التراجع عنه، لأن في ذلك كسراً لمصداقية الحزب أمام جمهوره. علماً أن هذه المسألة كانت مدار بحث مع «التيار الوطني الحر» الذي حاول ثني حليفه الجديد عن النزول إلى جلسة 16 كانون الأول الجاري، محذراً من أن تأمين النصاب هو بمثابة انتخاب سليمان فرنجية رئيساً حتى لو لم يضع اسمه في صندوقة الانتخاب (إذا لم يعلن جعجع تأييد عون).
يطمئن الحريري لهذه الثابتة القواتية، ويدرك أن حضور «القوات» سيعني حضور «الكتائب» أيضاً. «المستقبل» لم يعد يريد انتخاب سليمان فرنجية فحسب، بل يريد انتخابه اليوم قبل الغد، لذلك، هو بدأ العمل جدياً لأن يؤمّن نصاب الثلثين في الجلسة المقبلة، والحسابات العددية صارت مفصلية.
يدرك «القوات» تماماً أن دوره محوري في هذه المعركة. و «المستقبل» لم يكتف بالسؤال عن الحضور بل يسعى جاهداً لاسترضاء حليفه. وصل الأمر إلى عرض الاستعداد للسير بقانون انتخاب يرضي «القوات»، مع تأكيدات بالرغبة «بالإكمال سوياً». يكفي لذلك أن ينزل «القوات» إلى الجلسة ولا يصوّت.
تبدو جلسة 16 كانون الأول حاسمة. وإذا كانت البورصة تميل حالياً إلى انتخاب سليمان فرنجية رئيساً، فإن ثمة من يعتبر أن لا شيء يمنع أن تكون هذه الجلسة انتخاب عون رئيساً. ترشيحه من قبل جعجع، سيعني تلقائياً تضامن «8 آذار» و «الكتائب» معه، لكن النصاب سيكون مرهوناً بمدى التزام «المستقبل» و «اللقاء الديمواقراطي» بمبدئية حضور الجلسات.